التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب: إذا دعت الأم ولدها في الصلاة

          قوله: (بَابٌ: إِذَا دَعَتِ الأُمُّ وَلَدَهَا فِي الصَّلَاةِ): ذكر(1) فيه حديثًا معلَّقًا عن اللَّيث بصيغة جزم، وقد أسنده، لكن ليس من طريق اللَّيث بهذه الطريق التي ساقها، بل أخرجها في (أحاديث الأنبياء) [خ¦3436] وفي (المظالم) [خ¦2482] عن مسلم بن إبراهيم، عن جَرير بن حازم، عن مُحَمَّد بن سيرين، عن أبي هريرة، وأخرجه مسلم بهذه الطريق، وأخرجه أيضًا مسلمٌ في (الاستئذان)، لكن من طريق حُميد بن هلال، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، قال شيخُنا الشَّارح: (وأسنده أبو نُعَيم من حديث اللَّيث، من حديث يحيى ابن بُكَير، عن اللَّيث، عن جعفر بن ربيعة، عن الأعرج، عن أبي هريرة يأثُر عن النَّبيِّ صلعم، وأسنده الإسماعيليُّ من حديث عاصم بن عليٍّ عن اللَّيث به)، انتهى.
          وقوله: (إِذَا دَعَتِ الأُمُّ وَلَدَهَا فِي الصَّلَاةِ): يعني: فأجابها، ما حكمه؟ والذي ظهر لي من إخراجه الحديث، ومن عادته في الاحتجاج بشرع من قبلنا أنَّه قائلٌ بأنَّه(2) يجيبها، ولكن هل تبطل صلاته أم لا؟ لم يتعرَّض لذلك، وفي قوَّة تبويبه ومن عادته أنَّها لا تبطل.
          واعلم أنَّ في إجابة أحد الوالدين في الصَّلاة ثلاثةَ أوجه في مذهب الشَّافعيِّ في «البحر» للرُّوْيَانيِّ(3)، ذكر ذلك في (باب إمامة المرأة): أصحُّها عنده: أنَّ الإجابة لا تجب، وثانيها: تجب، وتبطل الصَّلاة، وثالثها: تجب، ولا تبطل، والله أعلم، وهذا الذي يظهر أنَّه كذلك عند البخاريِّ.
          فائدةٌ: قال الدِّمياطيُّ: (روى اللَّيثُ بن سعْدٍ عن يزيد بن حوشب، عن أبيه قال: سمعت النَّبيَّ صلعم يقول: «لو كان جريج الراهب فقيهًا عالمًا؛ لعلم أنَّ إجابة أمِّه خيرٌ من عبادة ربِّه ╡»، حوشبٌ هذا: هو حوشب بن طخْمة الحِمْيَريُّ، من أهل اليمن، نزل الشام، قال: لمَّا أظهر الله محمَّدًا، انتدبتُ إليه في أربعين فارسًا من قومي، فقدمتُ المدينة)، انتهى كلام الدِّمياطيِّ.
          وهذا حوشب بن(4) طخيَّة _وقيل: طخْمة_ الحِمْيَريُّ الألهانيُّ، يعرف بذي ظليم، أسلم على عهد النَّبيِّ صلعم، وعداده في(5) أهل اليمن، وكان مطاعًا في قومه، كتب إليه النَّبيُّ صلعم في قتل الأسود العنسيِّ، وكان من رجَّالة حمص يوم صفِّين، لكنِّي رأيت في «تجريد الذَّهبيِّ» بعد أن ذكر حوشب بن طخيَّة _أو طخمة_ حوشبًا آخرَ، وقال: (لعلَّه الأوَّل)، ثمَّ ذكر حوشبًا آخرَ؛ / فقال ما لفظه: (حوشب بن يزيد الفهريُّ، مجهول، روى عنه يزيد في ذكر جُريج الرَّاهب)، انتهى، فجعل قصَّة جُريج في ترجمة هذا، والدِّمياطيُّ جعل الحديث في ترجمة ابن طخيَّة؛ فاعلمه، قال بعض حُفَّاظ العصر ما لفظه: (صنيع الدِّمياطيِّ خطأٌ، فإنَّ ذا ظليم(6) لم يسمع من النَّبيِّ صلعم كما تراه في ترجمته)، انتهى.
          فائدةٌ: روى الإمام أحمد في «مسنده» من حديث أبي هريرة عنه ╕ قال: «كان رجلٌ في بني إسرائيل تاجرًا، وكان يُنْقِصُ مرَّة، ويزيد أخرى، قال: ما في هذه التجارة خيرٌ، لألتمسنَّ تجارةً هي خيرٌ من هذه، فبنى صومعةً وترهَّب فيها...»، فذكره(7).
          فائدةٌ: هذا الحديثُ حديثُ جُريج يدلُّ على أنَّ الكلام في شريعة جُريج كان مباحًا كما كان في شريعتنا، وقد تقدَّم القولان متى حُرِّم [خ¦1199]، أو أنَّه كان كلام أحد الوالدين مباحًا، فلمَّا لم يأت جريج من إجابة أمِّه ما هو مباحٌ له، استُجِيبَت(8) دعوة أمِّه فيه.


[1] في (ج): (وذكر).
[2] في (ج): (أنَّه).
[3] في (ب): (البحر لكن ويأتي ذكر).
[4] (بن): سقط من (ب).
[5] في (ب): (وفي).
[6] في (ب): (لخيم)، وليس بصحيح.
[7] هذه الفائدة جاءت في (ب) بعد قوله: (أمه فيه...)، «مسند أحمد» ░9603▒.
[8] (استجيب): سقط من (ب).