مصابيح الجامع الصحيح

حديث عامر: اللهم لولا أنت ما اهتدينا

          4196- [ (هن): على وزن أخ، فكلمة كناية عن الشيء، وأصله: هنو، تقول للمؤنث: هنة، وتصغيرها: هنية، وقد يبدل من الياء الثانية هاء؛ فيقال: هنيهة؛ فالجمع: هنيات وهنيهات، والمراد بها: الأراجيز؛ جمع الأرجوزة، وتقدم أن الشارع كان يقولها في حفر الخندق، وأنها من أراجيز عبد الله بن رواحة، فلا منافاة بينهما].
          (ما أبقينا): بلفظ المعروف والمجهول.
          قوله: (أتينا): من الإتيان إلى القتال أو إلى الحقِّ، وللأصيلي والسجزي: (أبينا): من الإباء على خلاف الحقِّ أو الفرار، ولغيرهما من الإتيان، وكلاهما صحيح.
          ويقال: عولت عليه؛ إذا حملت عليه، أو عليت عليه.
          والرِّواية: (اللهم): لكن الموزون: لاهم.
          [المازري: لا يقال: لله فدًى لك، لأنه إنما يستعمل في مكروه يتوقع حلوله بالشخص؛ فيختار شخص آخر أن يحل ذلك به، ويفديه منه، فهو: إما مجاز عن الرضا، كأنه قال: نفسي مبذولة لرضاك، وهذه الكلمة في البيت خطابًا لسامع الكلام، وقال: لفظ (فداء) مقصور وممدود، مرفوع ومنصوب.
          (وجبت): أي: الجنة له، ببركة دعائك له.
          (هلا متعتنا بالدعاء): أي: ليتك أشركتنا فيه، وقيل: معناه: وجبت الشهادة له بدعائك، وليتك تركته لنا.
          ابن عبد البر: كانوا قد عرفوا أن الشارع ما ستغفر لإنسان يخصه بالاستغفار؛ إلا استشهد، فلما سمع عمر ذلك قال: يا رسول الله لو متعتنا بعامر، فبارز يومئذٍ (مرحبا) اليهودي (فاختلفا ضربتين، فرجع سيف عامر على ساقه، فقطع أكحله، فمات منها)]
.
          قوله: (لحم حمر الأنسية): لحم في أصلنا: بالجر، وقال بعضهم: بالرفع خبر مبتدأ محذوف، وبالنَّصب على اسقاط الخافض.
          [ (أو نهريقها): بـ(أو) العاطفة، وسكون الهاء وفتحها وحذفها].
          قوله: (ساق يهودي): هو مَرْحب، وفي «صحيح مسلم» أن علي بن أبي طالب ☺ قتل مرحبًا، وعن ابن إسحاق: قتله محمد بن مسلمة بأخيه محمود، ودعا له ◙: «اللهم أعنه عليه»، ولمَّا ذكر الحاكم في «المستدرك» في ترجمة محمد بن مسلمة أنَّه قتل مرحبًا؛ عقَّبه بقوله: (والأخبار متواترة أنَّ قاتل مرحب عليٌّ ☺، منها...)؛ فذكر حديثًا، وقال أبو عمر: (قال ابن إسحاق)؛ فذكر ما تقدم، ثم قال: وخالفه غيره فقال: بل قتله علي، قال: وهو الصَّحيح، انتهى، وقال الشَّافعيُّ في «المختصر» : نفَّل النبيُّ صلعم يوم خيبر محمَّدَ بن مسلمة سلب مَرْحب، انتهى، وقال مغلطاي في «الزهر الباسم» : وذكر الواقدي شيئًا يشبه أن يكون جمعًا بين القولين، وهو أنَّ محمدًا ضرب ساقي مرحب، فقطعهما وجاوزه، فمرَّ به عليٌّ، فضرب عنقه، انتهى، والذي في «مسلم» أنَّه برز له وتناشدا شعرًا، وقال عليٌّ:
أنا الذي سمَّتني أمِّي حيدرة                     ......
          وفي حفظي: أنَّ مرحبًا رأى في نومه أنَّ أسدًا قد افترسه، فلذلك قال عليٌّ ما قال؛ لأن الحيدرة هو الأسد، كأنَّه قال: أنا الأسد الذي يفترسك، فلمَّا سمع كلامه؛ تذكَّر المنام الذي رآه، فأرعدت فرائصه.
          وقول الشَّافعيِّ المتقدِّم لا يدل على انفراده بقتله، بل يدل على أنَّه هو الذي أزال امتناعه؛ بدليل ما ورد أعلاه أنَّه ضرب ساقيه فقطعهما، لكن رواية مسلم تنافي هذا؛ لأنَّه ورد فيه أنَّه برز له وقتله.
          [ (ذباب السيف): طرفه الذي يضرب به.
          (الأجران): أجر الجهد في الطاعة، وأجر المجاهدة في سبيل الله.
          و(جاهدٌ مجاهدٌ)؛ كلاهما بصيغة اسم الفاعل، وفي بعضها: بلفظ الماضي، وجمع المجاهدة.
          (قلَّ عربي): أي: من العرب قليل مشى من الدنيا بهذه الخصلة الحميدة التي هي الجهاد مع الجهد، أو التي هي الجهاد في المعاهد، وفي بعضها: (نشأ) بلفظ الماضي؛ من النشوء، وفي بعضها: (مشابهًا): بلفظ الفاعل؛ من المشابهة، القاضي: يحتمل أنه يجمع اللفظين؛ يعني: جاهد ومجاهد؛ توكيدًا كما يقال: جاد مجد، وليل لائل، وشعر شاعر، قال: وضبطنا: (مشى بها)؛ من المشي؛ أي: مشى بالأرض أو الحرب، و(مشابهًا): من المشابهة لصفات الكمال؛ ومعناه: قل عربي مثله في جمعه صفات الكمال، قال: وضبطه بعضهم: (نشأ بها) بالنون والهمز؛ أي: شب وكبر، والهاء عائدة إلى الحرب أو بلاد العرب، وهذه أوجه الروايات]
.
          قوله: (بها مثله) الضمير للأرض، أو المدينة، أو الحرب أو الخصلة.