مصابيح الجامع الصحيح

باب غزوة الطائف

          ░56▒ (باب غزوة الطَّائف).
          ذكر بعض أهل النَّسب أنَّ الدمون بن الصَّدَف، واسم الصدف: مالك بن مرتع بن كندة من حضرموت أصاب دمًا من قومه، فلحق بثقيف، فأقام فيهم، وقال لهم: ألا أبني لكم حائطًا يطيف ببلدكم، فبناه، فسمِّي به الطَّائف، ذكره البكري هكذا، قال: وإنَّما هو الدَّمون بن عبيد بن مالك بن دهقل، وهو الصَّدف، وله ابنان أدركا رسول الله صلعم وبايعاه، اسم أحدهما: الهميل، والآخر: قَبيصة، ولم يذكرهما أبو عمر في الصَّحابة، وذكرهما غيره.
          وذكر أنَّ أصل أعنابها أنَّ قسِي بن مُنْبِه _وهو ثقيف_ أصاب دمًا في قومه أيضًا، وهمَّ إياد ففر إلى الحجاز، فمرَّ بيهودية فآوته، وأقام عندها زمانًا ثمَّ انتقل عنها، فأعطته قُضُبًا من الحبلة، وأمرته أن يغرسها في أرض وصفتها له فأتى بلاد عُدْوان، وهم سكان الطائف في زمان، فمرَّ بسُخيلة جارية عامر بن الظرب العدواني وهي ترعى غنمًا، فأراد سباءها، وأخذ الغنم، فقالت له ألا أدلك على خير مما هممت به، اقصد إلى سيدي، وجاوره، فهو أكرم النَّاس، فأتاه، فزوجه من بنته زينب بنت عامر، فلمَّا جلت عدوان عن الطَّائف بالحروب التي وقعت بينها أقام قسي، وهو ثقيف، فمنه تناسل أهل الطَّائف، وسمِّي قسيًّا لقسوة قلبه حين قتل أخاه وابن عمه، وقيل: سمِّي ثقيفًا لقولهم: ما أثقفه حين ثقف عامرًا حتى آمنه وزوجه ابنته.
          وذكر بعض المفسرين وجهًا آخر في سبب تسميتها بالطَّائف، يقال: في الجنَّة التي ذكرها الله سبحانه في سورة {ن} حيث قال: {فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ} [القلم:19]، قال: كان جبريل ◙ اقتلعها من موضعها، فأصبحت كالصريم، / وهو اللَّيل، أصبح موضعها كذلك ثمَّ صار بها إلى مكَّة، فطاف بها حول البيت ثم أنزلها حيث اليوم فسمِّيت باسم الطَّائف الذي طاف عليها، وطاف بها، وكانت تلك الجنَّة بضروان على فراسخ من صنعاء، ومن ثمَّ كان الماء والشَّجر بالطَّائف دون ما حولها من الأرضين وكانت قصَّة أصحاب الجنَّة بعد عيسى ◙ بيسير، ذكر هذا الخبر النَّقاش وغيره.
          فائدة: وحاصر أهل الطَّائف صلعم بالمنجنيق _الأشهر فتح الجيم وجوز الكسر_ أربعين يومًا، قال ابن إسحاق: حتَّى إذا كان يوم الشَّدخة عند جدار الطَّائف؛ دخل نفر من الصَّحابة تحت دبابة، ثمَّ زحفوا بها إلى جدار الطَّائف ليخرقوه، فأرسلت عليهم ثقيف سكك الحديد محمَّاة بالنَّار فخرجوا من تحتها، فرمتهم ثقيف بالنُّبل، فقتلوا منهم رجالًا، فأمر صلعم بقطع أعناب ثقيف، فوقع النَّاس فيها يقطعون، قال ابن سعد: ثمَّ سألوه أن يدعها لله وللرَّحم، فقال ◙: فإني أدعها لله وللرَّحم.
          وأوَّل من رمى بالمنجنيق في الإسلام النَّبيُّ صلعم، وأمَّا بالجاهليَّة فيذكر أنَّ جذيمة بن مالك وهو المعروف بالأبرش أوَّل من رمى بالمنجنيق وهو من ملوك الطَّوائف، وكان يعرف بالوضَّاح، ويقال له: منادم الفرقدين؛ لأنَّه ربا بنفسه عن منادمة النَّاس، فكان إذا شرب؛ نادم الفرقدين عُجْبًا بنفسه، ثمَّ نادم بعد ذلك مالكًا وعقيلًا اللذين يقول فيهم متمِّم:
وكنا كندماني جذيمة حقبة                     من الدَّهر حتَّى قيل لن يتصدعا
          ويذكر أيضًا أنَّه أوَّل من أوقد الشَّمع، انتهى
          وقال مغلطاي: أوَّل من رمى بالمنجنيق إبليس كما في قصص الأنبياء، وأوَّل من اتخذه هو في قصَّة سيدنا الخليل ◙، وقال مغلطاي: فيه نظر؛ لأنَّ جذيمة الأبرش غير جذيمة الوضَّاح.
          إشارة: في «سيرة ابن هشام» : بلغني أنَّ رسول الله صلعم قال لأبي بكر الصِّدِّيق، وهو محاصر ثقيفًا: يا أبا بكر إنِّي رأيت أني أهديت لي قعبة مملوءة زبدًا، فنقرها ديك فهراق ما فيها؛ فقال أبو بكر: ما أظنُّ أن تدرك منهم يومك هذا ما تريد، فقال ◙: وأنا لا أرى ذلك.