التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

باب القسامة

          ░22▒ (بَابُ القَسَامَةِ)
          قال في «النِّهاية»: هي _بالفتح_ اليمين، وحقيقتها أن يُقسم أولياء المقتول خمسين (1) يمينًا على استحقاقهم دم صاحبهم إذا وجدوه قتيلًا بين قومٍ ولم يُعرف قاتله، أو يقسم لهم المتَّهمون على نفي القتل عنهم، فإن حلف المدَّعون استحقُّوا الدِّية وإن حلف المتَّهمون لم تلزمهم الدِّية. انتهى.
          قال الكِرْمَانيُّ: والقَسامة مشتقَّةٌ مِن القَسَم على الدَّم أو مِن قسمة اليمين، يُقال: أقسمت إذا حلفت، وقسمتُ قَسامةً لأنَّ فيها اليمين، والصَّحيح أنَّها اسم الأيمان. وقال الأزهريُّ: إنَّها اسمٌ للأولياء الذين يحلفون على استحقاقهم دم المقتول، وحكم القَسامة مخالفٌ لسائر الدَّعاوي مِن جهة أنَّ اليمين على المدَّعي وذلك لأنَّ المدَّعي هو الذَّاكر لأمرٍ خفيٍّ، والمدَّعى عليه مِن الظَّاهر معه، وهاهنا الظَّاهر مع المدَّعي إذ لا بدَّ فيها مِن اللَّوث وهو القرينة / المعلنة لظنِّ صدقه، ومِن جهة أنَّها خمسون يمينًا وذلك لتعظيم أمر الدِّماء.
          قال القاضي عياضٌ: وحديث القَسامة أصلٌ مِن أصول الشَّرع وقاعدةٌ مِن أحكام الدِّين وركنٌ مِن أركان مصالح العباد، وبه أخذ العلماء مِن الصَّحابة والتَّابعين ومَن بعدهم وإن اختلفوا في كيفيَّة الأخذ به، ورُوي عن جماعةٍ إبطال القَسامة واختلف القائلون فيما إذا كان القتل عمدًا هل يجب به القِصاص، فقال مالكٌ وأحمد وإسحاق: بالقِصاص وبه قال الشَّافعيُّ في القديم، وقال الكوفيُّون والشَّافعيُّ في الجديد: الواجب به الدِّية لعدم العلم بشروط وجوب القِصاص، واختلفوا فيمن يحلف في القَسامة، فقال مالكٌ والشَّافعيُّ والجمهور: تحلف الوَرثة ويجب الحقُّ بحلفهم. وممَّن أنكر القَسامة وقال: لا عمل بها؛ البخاريُّ وأبو قِلابة.
          قوله: (وَقَالَ الأَشْعَثُ) بشينٍ معجمةٍ وعينٍ مهملةٍ ومثلَّثةٍ، (قَالَ لِي النَّبِيُّ صلعم : شَاهِدَانِ أَوْ يَمِينُهُ) وكان له بئرٌ في أرض ابْن عمٍّ له، وما ذكره عن الأشْعث تقدَّم عند البخاريِّ مُسندًا.
          قوله: (وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ) هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مُليكة زهير بن عبد الله بن جَدْعان، قاضي الطَّائف لابن الزبير ومؤدِّبه.
          قوله: (لَمْ يُقِدْ بِهَا مُعَاوِيَةُ) هو مِن أقاد إذا اقتصَّ، لم يقتصَّ لها معاوية، وما ذكره البخاريُّ عن ابن أبي مُليكة قال ابن المنذر فيه: رُوينا عن معاوية وابن عبَّاسٍ أنَّهما قالا: القَسامة توجب العقل. قال البيهقيُّ: ورُوينا عن معاوية خلافه.
          قال ابن بطَّالٍ: وقوله: (لَمْ يُقِدْ بِهَا مُعَاوِيَةُ) لا حجَّة فيه مع مخالفة السنَّة له والخلفاء الرَّاشدين الَّذين أقادوا بها، أو تكون المسألة لا لوث فيها، وقد صحَّ عن معاوية أنَّه أقاد فيها، ذكر ذلك أبو الزِّناد في احتجاجه على أهل العراق، قال: وقال لي خَارِجَةُ بن زيد بن (2) ثابتٍ: نحن والله قتلنا بالقَسامة، وأصحاب رسول الله صلعم متوافرون، إنِّي لأرى يومئذٍ ألف رجلٍ أو نحو ذلك فما اخْتلف منهم اثنان في ذلك.
          قال البيهقيُّ: وأصحُّ ما رُوي في القتل بالقَسامة وأعلاه بعد حديث سهيلٍ ما رواه عبد الرَّحمن بن أبي الزِّناد قال: حدَّثني خَارجة بن زيد بن ثابتٍ قال: قُتل رجلٌ مِن الأنصار _وهو سليمان_ رجلٌ مِن بني العَجْلاَنِ ولم يكن على ذلك شهادةٌ إلَّا لَطِيخ وشبهة فاجتمع رأي النَّاس على أن يحلف ولاة / المقتول ثمَّ يسلَّم إليهم فيقتلوه، قال خارجة: فركبت إلى معاوية فقصَصْتُ عليه القصَّة فكتب إلى سعيد بن العاصي: إن كان ما ذكرنا حقًّا أن يُحلِّفنا على القاتل ثمَّ يسلِّمه إلينا. وروى ابن أبي شيبة عن وكيعٍ عن حمَّاد بن سَلمة عن ابن أبي مُليكة أنَّ ابن الزُّبير وعمر بن عبد العزيز أقادا بالقَسامة، وكأنَّ البخاريَّ ذهب إلى ترك القتل بالقَسامة لما ذكره مِن الآثار الَّتي صدَّر بها الباب بغير إسنادٍ، وحديث القَسامة ذكره قبيل التَّفسير، وفي باب الموادعة والمصالحة مع المشركين في باب فرض الخمس، وروى ابن أبي شيبة بسنده إلى الحسن أنَّ أبا بكرٍ وعمرَ والجماعة الأُوَل لم يكونوا يقتلون بالقَسامة.


[1] في الأصل:((خمسون)).
[2] في الأصل:((في)).