التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

باب القصاص بين الرجال والنساء في الجراحات

          ░14▒ (بَابُ القِصَاصِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي الجِرَاحَاتِ)
          قوله: (وَيُذْكَرُ عَنْ عُمَرَ: تُقَادُ المَرْأَةُ مِنَ الرَّجُلِ، فِي كُلِّ عَمْدٍ يَبْلُغُ نَفْسَهُ فَمَا دُونَهَا مِنَ الجِرَاحِ) يعني أنَّه يُقتصُّ منه بقتل المرأة وبجرحه أو قطع عضوٍ منها، وقالت الحنفيَّة: لا قِصاص بينهما فيما دون النَّفس مِن الجراحات.
          قوله: (وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ، وَإِبْرَاهِيمُ) أي: النَّخَعيُّ، (وَأَبُو الزِّنَادِ) أي: عبد الله بن ذكوان، (عَنْ أَصْحَابِهِ) أي عبد الرَّحمن الأعرج ونحوه، وهذا الأثر عَن ابن عمر أخرجه ابن أبي شيبة بإسنادٍ صحيحٍ، فقال: حدَّثنا جَرير عن مغيرة عن إبراهيم عن شُريحٍ قال: ((أتاني عروة الْبَارِقِيُّ مِن عند عمر بن الخطَّاب أنَّ جراحات الرِّجال مِن النِّساء .)) الحديثَ.
          والتَّعليق عن عمر بن عبد العزيز وأبي الزِّناد أخرجه أيضًا ابن أبي شيبة بإسنادٍ جيِّدٍ عن وكيعٍ فقال: حدَّثنا سُفيان عن عبد الله بْن ذكوان أبي الزِّناد عَن عمر بن عبد العزيز ... الحديثَ. قال: وحدَّثنا وكيعٌ حدَّثنا سفيان عن جعفر بن بُرْقَانَ عن عمر به.
          قوله: (وَجَرَحَتْ أُخْتُ الرُّبَيِّعِ إِنْسَانًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلعم : القِصَاصُ) هذا تعليقٌ مِن البخاريِّ، وهو في «صحيح مسلمٍ»: عن أنسٍ: ((أنَّ أخت الرُّبيع أمَّ حارثة جرحتْ إنسانًا فاختصموا إلى النَّبيِّ صلعم ، فقال رسول الله صلعم : القِصاص، فقالت / أمُّ الرُّبيع: أتقتصُّ مِن فلانة؟! والله لا يُقتصُّ منها، فقال رسول الله صلعم : سبحان الله يا أمَّ الرُّبيع القِصاص كتاب الله، قالت: لا والله لا يُقتصُّ منها أبدًا، قال: فما زالت حتَّى قبلوا الدِّية، فقال رسول الله صلعم : إنَّ مِن عباد الله مَن لو أقسم على الله لأبرَّه)) هذه رواية مسلمٍ، وخالفه البخاريُّ في سائر رواياته وطُرقه فقال: ((إنَّ الرُّبيِّع _وهي ابنة النَّضر_ كسرت ثنيَّة جاريةٍ فطلبوا الأَرْش وطلبوا العفو فأبوا إلَّا القِصاص، فأتوا النبيَّ صلعم فأمر بالقِصاص، فقال أنس بن النَّضر: أتُكسر ثنيَّة الرُّبيِّع يا رسول الله؟! لا والذي بعثك بالحقِّ لا تُكسر ثنيَّتها، فقال: يا أنس كتاب الله القِصاص فرضي القوم وعَفوا، فقال النَّبيُّ صلعم : إنَّ مِن عباد الله مَن لو أقسم على الله لأبرَّه)) الحديث. فحصل الاختلاف في الرِّوايتين مِن وجهين أحدهما أنَّ الجارحة في الأولى هي أخت الرُّبيِّع، وفي الثانية أنَّها الرُّبيِّع نفسها. والثَّاني أنَّ الحالف في الرِّواية الأولى هي أمُّ الرُّبيِّع وفي الثَّانية أنَّه أنس بن النَّضر.
          قال النَّوويُّ فيحتمل أنَّهما قضيَّتان. وقال الكِرْمَانيُّ هنا: قيل: صوابه حذف لفظ: ((أخت)) وهو الموافق لما مرَّ في سورة البقرة في باب كُتب عليكم القِصاص أنَّ الرُّبيِّع نفسها كسرت ثنيَّة جاريةٍ اللهمَّ إلَّا أن يُقال: هذه امرأةٌ أخرى، لكنَّه لم ينقل عن أحدٍ. انتهى.
          والرُّبيِّع الجارحة بضمِّ الرَّاء وفتح الياء وتشديد المثنَّاة من تحتٍ، وأمَّا أمُّ الرَّبِيِّع الحالفة في رواية مسلمٍ فبفتح الرَّاء وكسر الموحَّدة وتخفيف الياء المثنَّاة مِن تحتٍ، وقال أبو ذرٍّ: في قول البخاريِّ هنا: ((وجرحت أخت الرُّبيِّع)) كذا وقع هنا، والصَّواب: ((وجرحت الرُّبيِّع ابنة النَّضر بن أنسٍ)) قال البيهقيُّ: وظاهر الخبرين يدلُّ على أنَّها قصَّةً واحدةً وإلَّا فثابتٌ أحفظ، يشير بذلك إلى أنَّ رواية ثابتٍ عن أنسٍ ((أنَّ أخت الرُّبيِّع جرحت إنسانًا))، ورواية حُميدٍ عن أنسٍ ((أنَّ الرَّبيِّع بنت النَّضر كسرت ثنيَّة جاريةٍ)).
          قوله: (فَقَالَ النَّبِيُّ صلعم : القِصَاصُ) بالنَّصب أي أدُّوه أو الْزموه، فإن قلت: الجِراحة أي في كسر السِّنِّ غير مضبوطٍ فلا يُتصوَّر التَّكافؤ فيه؟ قلت: قد يكون مضبوطًا وجوَّز بعضهم القِصاص على وجه التَّحرِّي. قاله الكَرْمَانيٌّ. وقد علمت ما في هذا الباب وفي غيره أنَّ جناية الرُّبيِّع كانت كسر السِّن والإسكان حينئذٍ باقٍ إذ لا قِصاص في كسر العِظام.