التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

باب التوبة

          ░4▒ (بَابُ التَّوْبَةِ) وقوله تعالى: {تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحًا}[التحريم:8] الصَّادِقَةُ النَّاصِحَة (1).
          قال الرَّاغب: التَّوبة ترك الذنب على أحد الوجوه، وهو أبلغ ضروب الاعتذار فإنَّ الاعتذار على ثلاثة أوجه: إمَّا أن يقول المعتذر: لم أفعل، أو فعلت لأجل كذا، أو فعلت وأسأت ولقد أبلغت، فلا رابع لذلك، وهذا الأخير هو التَّوبة، ثمَّ التَّوبة في الشِّرع ترك الذنب لقبحه بالنَّدم على مَا فرط منه والعزيمة على ترك المعاودة وتدارك ما أمكنه أن يتداركه مِن الأعمال بالأعمال، فمَن اجتمعت فيه هذه الأربع فقد كمُلت فيه شرائط التَّوبة وتاب إلى الله، وزاد النَّووي فقال: إن كان الذَّنب يتعلَّق بآدمي فلا بدَّ مِن ردِّ الظُّلامةِ إلى صاحبِها أو تحصيل البراءة منه. وهذا شرط خامس قلت: وأن يكون التَّرك لله تعالى مع القدرة على فعل ما يتوب منه، فتوبة المجبوب عن الزِّنا غير معتدَّة، وإن مُفارَقةُ (2) موضِع المعصية فبعد (3) الوصال مسبوق. (4) والله أعلم. /
          قال النَّووي: واتَّفقوا على أنَّ التَّوبة مِن جميع المعاصي واجبة على الفَور، لا يجوز تأخيرها وإن كانت المعصية صغيرة، والتَّوبة مِن مهمَّات الإسلام وقواعده المتأكِّدة، ووجوبها عند الشَّرعيين بالشَّرع، وعند المعتزلة بالعقل، ولا يجب على الله قبولها إذا وُجِدت شروطها عقلًا عند أهل السنَّة، لكنْ تكرُّمًا منه سبحانه وتعالى وتفضُّلًا، وإذا تاب مِن ذنب ثمَّ ذكره هل يجب عليه تجديد النَّدم؟ فيه خلاف لأهل السُّنَّة، قال ابن البَاقِلَّاني: نعم، وقال إمام الحرمين: لا، ويصحُّ التَّوبة مِن ذنبٍ، وإن كان مُصِرًّا على آخر، وإذا تاب مِن ذنب بشروطها ثمَّ عاود ذلك الذَّنب كُتِبَ عليه ذلك الذَّنب ولم تبطُل توبته. هذا مذهب أهل السُنَّة في المسألتين، وخالفت المعتزلة فيهما، قال أصحابنا: ولو تكرَّرت التَّوبة ومعاودة الذَّنب صحَّت، ثمَّ توبة الكافر مِن الكفر مقطوع بقبولها، وأمَّا ما سواها مِن أنواع التَّوبة، فهل قبولُها مقطوع به أمْ مظنون؟ فيه خلاف لأهل السُنَّة، واختار إمام الحرمين أنَّه مظنون وهو الأصحُّ.
          قوله: (وَقَاَل قَتَادَة: تَوبَةً نَصُوحًا) الصَّادِقَةُ النَّاصِحَةُ. أي الَّتي لا مُداهنة فيها، قيل: وإنِّما سمِّيت بذلك لأنَّ العبدَ ينصح فيها نفسه ويقيها النَّار، وأصل نصوحًا توبة منصوحًا فيها، إلَّا أنَّه أخبر عنها باسم الفاعل المنصِح على ما ذكره سيبويه عن الخليل في قوله تعالى: {عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ}[الحاقة:21]. أي ذات رضًا. وذكر أمثلة كثيرة لهذا عند العرب، وقال عمر بن الخطاب ☺: التَّوبة النصوح: أن يتوب مِن الذنب ثمَّ لا يعود فيه. وقال أبو اسحاق: تابعه في النُّصح مأخوذ مِن النُّصح وهي الخياطة، كأنَّ المعاصي تحرق والتَّوبة ترقِّع، والنِّصاح: الخيط الذي يُخَاطُ به، وقيل مثله.


[1] قوله:((الصدقة الناصحة)) ليس في الأصل.
[2] في الأصل:((تفارق)).
[3] في الأصل:((فمهد)).
[4] كذا في الأصل.