التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

باب ما جاء في أسماء رسول الله

          ░17▒ (بَابُ: مَا جَاءَ فِي أَسْمَاءِ النَّبِيِّ صلعم).
          قوله: (وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ} الآية [الفتح:29 / محمَّد رفع بالابتداء، ورسول الله خبره، والذين معه مبتدأ، وأشدَّاء خبره، وعطف الجملة على الجملة بالواو، أي: محمَّد هذا الرَّسول والمؤمنون الذين معه أشدَّاء على الكفَّار، وقيل: محمَّد مبتدأ، ورسول صفة له، والذين معه عطف عليه، وأشدَّاء خبر عن الجميع، أي: محمَّد الرَّسول والمؤمنون جميعًا أشداء على الكفَّار، أي: غلاظ عليهم.
          قوله صلعم : (لِي خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ: أَنَا مُحَمَّدٌ) هو اسم مفعول في الصِّفة، فالمحمَّد في اللُّغة هو الذي يحمد حمدًا بعد حمد، ولا يكون مفعل مثل مضرب وممدح إلَّا لمن تكرَّر منه الفعل مرَّة بعد أخرى، فالمحمَّد هو الذي حمد مرَّة بعد مرَّة كما أنَّ المكرم من أكرم مرَّة بعد مرَّة، وكذلك الممدح ونحو ذلك، واسم محمَّد مطابق لمعناه، فهو محمود في الدُّنيا بما هُدِيَ إليه ونفع به من العلم والحلم، وهو محمود في الآخرة بالشَّفاعة، فقد تكرَّر معنى الحمد، ثمَّ إنَّه صلعم لم يكن محمَّدًا حتَّى كان أحمد، حمد ربه فنبَّاه وشرَّفه واجتباه، فلذلك تقدَّم تسميته بأحمد على لسان عيسى ◙ في قوله: {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ}[الصف:6] على الاسم الذي هو محمَّد، فبأحمد ذُكِرَ قبل أن يُذكَرَ بمحمَّد؛ لأنَّ حمده لربِّه كان قبل حمد النَّاس له، فلمَّا وُجِدَ وبُعِثَ كان محمَّدًا بالفعل.
          وأحمد أيضًا منقول من الصِّفة التي معناها التَّفضيل، فمعنى أحمد: أحمد الحامدين لربِّه، وكذلك هو في المعنى لأنَّه يُفتَحُ عليه في المقام المحمود بالمحامد التي يفتحها الله عليه، فيحمد ربه بها فيكون أحمد النَّاس لربِّه، ثمَّ يشفع فيحمد على شفاعته، ولذلك يعقد له لواء الحمد، فانظر كيف تترتَّب التَّسمية بأحمد على التَّسمية بمحمَّد في الذِّكر والوجود وفي الدُّنيا والآخرة تَلُحْ لك الحكمة الإلهية في تخصيصه بهذين الاسمين، وكيف تقدَّم ذكره بأحدهما على ذكره بالآخر، وانظر كيف خُصَّ بإنزال سورة الحمد عليه دون سائر الأنبياء، وبلواء الحمد، وبالمقام المحمود وغير ذلك.