التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب: من أصاب ذنبًا دون الحد فأخبر الإمام فلا عقوبة عليه

          قوله: (قَالَ عَطَاءٌ: لَمْ يُعَاقِبْهُ النَّبِيُّ صلعم): (عطاءٌ): هو ابنُ أبي رَباح، وكأنَّ مرادَه حديثُ المُجامِع في رمضانَ [خ¦6821]، وهو كقولِ ابن جُرَيجٍ، والظاهرُ أنَّه لم يُرِدْه؛ لأنَّه يأتي قريبًا: (ولم يُعاقِبِ الذي جامَعَ في رمضانَ)، ويَحتملُ أن يريدَ حديثَ ابنِ(1) مسعودٍ أيضًا [خ¦526]، قال شيخُنا: (قال الدَّاوديُّ: لعلَّه يريد الذي قال: أتيت امرأة فعلت بها كلَّ شيء إلَّا اللِّواط، وحديث أبي عثمان عن ابن مسعودٍ المشار إليه، فهو أبينُ شيءٍ في البابِ، والله أعلم).
          قوله: (وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ): تَقَدَّمَ مِرارًا أنَّه عبدُ الملك بن عبد العزيز بن جُرَيجٍ، أحدُ الأعلام، تَقَدَّمَ مُترجَمًا [خ¦296]. /
          قوله: (وَلَمْ يُعَاقِبِ الَّذِي جَامَعَ فِي رَمَضَانَ): تَقَدَّمَ أنَّه سَلَمَةُ بنُ صخرٍ البَيَاضِيُّ [خ¦1935]، وفي «التِّرْمِذيِّ»: (سلمان بن صخر).
          قوله: (وَلَمْ يُعَاقِبْ عُمَرُ صَاحِبَ الظَّبْيِ): اعلم أنَّه روى مالكٌ [عن عبد الملك بن قُرير] عن مُحَمَّد بن سيرين: (أنَّ رجلًا أتى عمرَ بنَ الخَطَّاب ☺، فقال: إنِّي أَجريتُ أنا وصاحبٌ لي فَرَسينِ إلى ثُغرةِ ثَنِيَّة، فأصبنا ظَبْيًا ونحن مُحرِمان، فما ترى؟ قال عمر ☺ لرجلٍ إلى جنْبِه: تعالَ حتَّى أحكُمَ أنا وأنت، قال: فحكما عليه بعَنْزٍ، فولَّى الرجلُ، وهو يقول: هذا أمير المؤمنين لا يستطيعُ أن يحكُمَ في ظبيٍ حتَّى دعا رجلًا فحكمَ معه، فسمعَ عمرُ قولَ الرَّجل، فدُعِي له فسأله: هل تقرأُ سورةَ المائدة؟ قال: لا، قال: تعرفُ هذا الرَّجلَ الذي حَكَمَ معي؟ قال: لا، قال عمرُ: لو أخبرتني أنَّك تقرأُ سورةَ المائدة؛ لأوجعتُك ضربًا، ثمَّ قال: إنَّ اللهَ تعالى يقول في كتابه: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ}[المائدة:95]، وهذا عبدُ الرَّحْمَن بنُ عوفٍ)، فالظَّاهرُ أنَّ مرادَ الإمامِ شيخِ الإسلامِ البُخاريِّ هذا، والله أعلم، والرَّجلُ: هو قَبِيصةُ بنُ جابرٍ الأسَديُّ، قاله ابنُ بشكوال في «مبهماته»، والثُّغرة: الثُّلمة، انتهى.
          وقال ابنُ شيخِنا البُلْقينيِّ: (صاحبُ الظَّبْيِ الظاهرُ أنَّه قَبِيصةُ بنُ جابرٍ، ثمَّ ذكر قصَّتَه مِن «سنن البيهقيِّ الكبرى»)، انتهى.
          وقال شيخُنا الشَّارح: (يعني: حيث حكم على قَبِيصةَ بنِ جابرٍ في الظَّبْيِ بشاةٍ هو وعبد الرَّحْمَن بن عوف، فقال قَبِيصةُ: فقلتُ: يا أمير المؤمنين، إنَّ أمره أهون من أن تدعوَ أحدًا يحكُمُ معك، قال: فضربني بالدِّرَّة حتَّى سابقتُه عَدْوًا، ثمَّ قال: قتلتَ الصَّيدَ وأنتَ مُحرِم، ثمَّ تَغمض الفتوى؟! والقصَّةُ أخرجها مالكٌ عن عبد الملك بن قُرَير(2) عن ابن سيرين)، ثمَّ ذكر القصَّة كما ذكرتُها من عند ابن بشكوال.
          ثمَّ إنِّي رأيتُ في «تلخيص المستدرك» للذَّهبيِّ في ترجمة عبد الرَّحْمَن بن عوف، وذكر القصَّةَ بنحو ما ذكرتُها، لكنَّها أطولُ، وسمَّاه أيضًا: قَبِيصةَ بنَ جابرٍ الأسَديَّ، وقال: (خ، م)؛ يعني: على شرطِهما، وسكتَ عليه الذَّهَبيُّ في «تلخيصه»، والله أعلم.
          ونقل بعضُهم: أنَّه قَبِيصةُ بنُ جابرٍ عن الثَّعلبيِّ وابن عَطيَّة.
          قوله: (عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ): أمَّا (أبو عثمان)، فهو النَّهديُّ عبدُ الرَّحْمَن بنُ مَلٍّ، وتقدَّمت اللُّغات في (مَلٍّ) [خ¦526]، وحديثُ أبي عثمانَ عنِ ابن مسعودٍ: (أنَّ رجلًا أصاب من امرأة قُبلةً...»، الحديث، في «البُخاريِّ» [خ¦526]، و«مسلم»، و«التِّرْمِذيِّ»، و«النَّسائيِّ»، و«ابن ماجه»، وقوله: (عن ابن مسعود): كذا في أصلنا، وفي نسخةٍ في هامش أصلنا: (أبي) عوض: (ابن)، وفيها نظرٌ، وليس في الكُتُب السِّتَّة روايةٌ لأبي عثمانَ عن أبي مسعودٍ، فضلًا عنِ «البُخاريِّ»، فالصوابُ: (ابن)، والله أعلم، وفي أصلِنا الدِّمَشْقيِّ: (ابن)؛ بلا خلافٍ.


[1] في (أ): (أبي)، ثم وجدته ناقلًا عن «التوضيح» ░31/190▒، وهو فيه على الصواب.
[2] في (أ): (قريب) تبعًا لأصل «التوضيح»، وفي هامشهما: (لعلَّه: قُرَير)، والمثبت الذي في «الموطأ» هو الصواب.