التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: إن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يومًا.

          6594- قوله: (عَنْ عَبْدِ اللهِ): هو ابن مسعود بن غافل الهُذَليُّ ☺.
          قوله: (وَهْوَ الصَّادِقُ المَصْدُوقُ): يعني: الصادقُ في قوله، والمصدوقُ فيما يأتيه من الوحيِ الكريمِ.
          قوله: (إِنَّ أَحَدَكُمْ): هو بكسر الهمزة على الحكاية، وكذا ضبطه النَّوَويُّ في «شرح مسلم» بالكسر، كما تَقَدَّمَ، وتَقَدَّمَ عن ابن مالك وغيرِه: أنَّها بالفتح، ذكرتُه في (خلق آدم) [خ¦3332] وقبله أيضًا [خ¦3208].
          قوله: (ثُمَّ يَبْعَثُ اللهُ مَلَكًا): ظاهر هذا الحديث: أنَّ إرسالَه يكون بعد مئةٍ وعشرين يومًا، وفي «صحيح مسلم»: «يدخل المَلَك على النطفة بعدما تستقرُّ في الرَّحِم بأربعين _أو خمسة وأربعين_ ليلة، فيقول: يا ربِّ؛ أشقيٌّ أم سعيدٌ؟»، وفي رواية أخرى: «إذا مرَّ بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة؛ بعث الله تعالى مَلَكًا، فصوَّرها، وخلق سمْعَهَا وبصرَها وجِلْدَها»، وفي رواية حذيفة بن أَسِيد فيه أيضًا: «أنَّ النطفة تقع في الرَّحِم أربعين ليلة، ثُمَّ يتسوَّر عليها المَلَك»، وفي رواية فيه أيضًا: «أنَّ مَلَكًا مُوَكَّلًا بالرحم، إذا أراد الله أن يخلق شيئًا؛ يأذن الله تعالى لبضع وأربعين ليلة»، وفي رواية أنس: «أنَّ الله وكَّل بالرحم مَلَكًا، فيقول: أي ربِّ؛ نطفة، أي ربِّ؛ علقة، أي ربِّ؛ مضغة»، قال العلماء: (طريق الجمع بين هذه الروايات: أنَّ للمَلَك ملازمةً ومراعاةً لحال النطفة، وأنَّه يقول: يا ربِّ؛ هذه نطفةٌ، هذه علقةٌ، هذه مضغةٌ، في أوقاتها، فكلَّ وقتٍ يقول ما صارت إليه بأمر الله وهو أعلم، وكلامُ المَلَك وتصرُّفه(1) في أوقاتٍ؛ أحدها: يخلقها نطفةً، ثُمَّ ينقلها علقةً، وهو أوَّل علم المَلَك بأنَّه ولدٌ؛ لأنَّه ليس كلُّ نطفة تصير ولدًا، وذلك عقب الأربعين الأولى حين يكتب رزقَه، وأجلَه، وسعادتَه أو شقاوته، ثُمَّ للمَلَك فيه تصرُّفٌ آخَرُ في وقتٍ آخَرَ، وهو تصويره، وخلقُ سمعِه وبصرِه، وجِلدِه ولحمِه وعظمِه، وكونِه ذكرًا أو أنثى، وذلك إنَّما يكون في الأربعين الثالثة، وهي مدَّة المضغة، وقبل انقضاء هذه الأربعين، وقبل نفخ الروح فيه؛ لأنَّ النفخَ لا يكون إلَّا [بعد] تمام صورته، وأمَّا قوله في بعض الروايات: «إذا مرَّ بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة؛ بعث الله إليها مَلَكًا، فصوَّرها، وشقَّ سمعها وبصرها، وجلدها ولحمها وعظامها...»؛ الحديث، ذكر القاضي عياض وغيرُه أنَّه ليس على ظاهره، ولا يصحُّ حمله على الظاهر، بل المرادُ تصويرُها وخلقُ سمعِها... إلى آخره، أنَّه يكتب ذلك، ثُمَّ يفعله في وقت آخرَ؛ لأنَّ التصوير عقب الأربعين الأولى غيرُ موجودٍ في العادة، وإنَّما يقع في الأربعين الثالثةِ هذه مدَّة المُضْغَة، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ...} إلى {لَحْمًا}[المؤمنون:12-14] ثُمَّ يكون للمَلَك فيه تصريفٌ آخرُ، وهو وقت نفخ الروح عقب الأربعين الثالثةِ حين يكمل له أربعة أشهرٍ، واتفق العلماء على أنَّ نفخَ الروح لا يكون إلَّا بعد أربعة أشهرٍ، ووقع في رواية البُخاريِّ: «أنَّ خلقَ أحدكم يُجمَع في بطن أمِّه...»؛ الحديث [خ¦3208]، وفيه: «ثُمَّ يُبعَث»؛ بحرف (ثُمَّ)؛ [وهو] يقتضي تأخيرَ كَتْبِ المَلَك هذه الأمورَ بعد الأربعين الثالثةِ، والأحاديثُ الباقية تقتضي الكَتْبَ عقيب الأربعين الأولى، وجوابُه: أنَّ قوله: «ثُمَّ يُبعَث إليه المَلَك، فيكتب» معطوفٌ(2) على قوله: «يُجمَع في بطن أمِّه»، [ومتعلِّقٌ به، لا بما قبلَه]؛ وهو قوله: «ثُمَّ يكون مضغةً مثله»، ويكون قوله: «ثُمَّ يكون علقةً مثله، ثُمَّ يكون مضغةً مثله»، [معترضًا بين المعطوف] والمعطوف عليه، وذلك جائزٌ موجودٌ في القرآنِ والحديثِ الصحيحِ وغيرِه من كلام العرب)، وذكر كلامًا آخرَ له بهذا تعلُّقٌ؛ فانظره من «شرح مسلم» للنوويِّ، والله أعلم.
          وقوله فيه: (لا يكون إلَّا بعد أربعة أشهر) عبارةٌ قاصرةٌ، بل تحريرُه: بعد مئةٍ وعشرين يومًا؛ لأنَّ الأشهرَ قد تكون ناقصةً أو فيها ناقصٌ، والله أعلم.
          قوله: (مُضْغَةً): (المضغة): قطعةُ لحمٍ بقَدْر ما يُمضَغ في الفم.
          قوله: (فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعٍ(3): بِرِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ): هذه ثلاثٌ؛ لأنَّ الشقاءَ والسعادةَ واحدٌ؛ لأنَّه يكتب إمَّا ذا وإمَّا ذا، فالمكتوبُ واحدٌ، ولعلَّه أراد جملةَ ما يُؤمَر به، لا أنَّ كلَّ شخص يُؤمَر فيه بهذه الأربع، وفي رواية أخرى: «رزقه، وأجله، وأثره، وشقيٌّ أو سعيدٌ»، وهذه مصرِّحة بالرابعة، فإنَّ مجموع الروايتين: أنَّه يُؤمَر برزقه، وأجله، وأثره، وشقيٌّ أو سعيدٌ، وهو جوابٌ حسنٌ، وفي «الصحيح» أيضًا: (وعمله) [خ¦3208]، ويحتمل أن تكون مثل: (أثره)، والله أعلم.
          قوله: (وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ): مَرْفُوعٌ مُنَوَّن، خبر مبتدأ محذوفٍ؛ أي: هو شقيٌّ أو سعيدٌ.
          قوله: (وَقَالَ(4) آدَمُ: إِلَّا ذِرَاعٌ): إنَّما أتى بحديث آدمَ؛ لأنَّ الحديثَ الذي قبلَه شكَّ فيه راويه؛ هل هو (ذراع) أو (ذراعين)؟ فأتى بحديث آدم؛ لأنَّه لا شكَّ فيه، وحديث آدم أخرجه البُخاريُّ في (التوحيد) عن آدم [خ¦7454]، وهنا أخرجه عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك؛ كلاهما عن شعبة، وقد أخرجه البُخاريُّ أيضًا في (بدء الخلق) عن الحسن بن الربيع عن أبي الأحوص [خ¦3208]، وفي (خلق آدم) عن عمر بن حفص بن غِيَاث عن أبيه [خ¦3332]، وقد أخرجه بقيَّةُ الجماعة.


[1] في (أ): (يفرقه)، والمثبت من مصدره.
[2] في (أ): (معطوفًا)، والمثبت من مصدره.
[3] كذا في (أ) و«اليونينيَّة»، وفي (ق): (بأربعة) وهي رواية أبي ذرٍّ عن الحمُّوي والمستملي.
[4] كذا في (أ) و(ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ وأبي الوقت، ورواية «اليونينيَّة»: (قال)؛ بلا واو.