-
المقدمة
- كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
-
كتاب الإيمان
-
كتاب العلم
-
كتاب الوضوء
-
كتاب الغسل
-
كتاب الحيض
-
كتاب التيمم
-
كتاب الصلاة
-
كتاب مواقيت الصلاة
-
كتاب الأذان
-
كتاب الجمعة
-
أبواب صلاة الخوف
-
كتاب العيدين
-
كتاب الوتر
-
كتاب الاستسقاء
-
كتاب الكسوف
-
أبواب سجود القرآن
-
أبواب تقصير الصلاة
-
أبواب التهجد
-
كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة
-
باب العمل في الصلاة
-
أبواب السهو
-
كتاب الجنائز
-
كتاب الزكاة
-
أبواب صدقة الفطر
-
كتاب الحج
-
أبواب العمرة
-
أبواب المحصر
-
كتاب جزاء الصيد
-
أبواب فضائل المدينة
-
كتاب الصوم
-
كتاب صلاة التراويح
-
أبواب الاعتكاف
-
كتاب البيوع
-
كتاب السلم
-
كتاب الشفعة
-
كتاب الإجارة
-
كتاب الحوالة
-
كتاب الكفالة
-
كتاب الوكالة
-
كتاب المزارعة
-
كتاب المساقاة
-
كتاب الاستقراض
-
كتاب الخصومات
-
كتاب في اللقطة
-
كتاب المظالم
-
كتاب الشركة
-
كتاب الرهن
-
كتاب العتق
-
كتاب المكاتب
-
كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها
-
كتاب الشهادات
-
كتاب الصلح
-
كتاب الشروط
-
كتاب الوصايا
-
كتاب الجهاد والسير
-
كتاب فرض الخمس
-
كتاب الجزية والموادعة
-
كتاب بدء الخلق
-
كتاب أحاديث الأنبياء
-
كتاب المناقب
-
كتاب فضائل الصحابة
-
كتاب مناقب الأنصار
-
كتاب المغازي
-
كتاب التفسير
-
كتاب فضائل القرآن
-
كتاب النكاح
-
كتاب الطلاق
-
كتاب النفقات
-
كتاب الأطعمة
-
كتاب العقيقة
-
كتاب الذبائح والصيد
-
كتاب الأضاحي
-
كتاب الأشربة
-
كتاب المرضى
-
كتاب الطب
-
كتاب اللباس
-
كتاب الأدب
-
كتاب الاستئذان
-
كتاب الدعوات
-
كتاب الرقاق
-
كتاب القدر
-
كتاب الأيمان والنذور
-
باب كفارات الأيمان
-
كتاب الفرائض
-
كتاب الحدود
-
كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة
-
كتاب الديات
-
كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم
-
كتاب الإكراه
-
كتاب الحيل
-
كتاب التعبير
-
كتاب الفتن
-
كتاب الأحكام
-
كتاب التمني
-
كتاب أخبار الآحاد
-
كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة
-
كتاب التوحيد
3- 4- قوله: (عَنْ عُقَيْلٍ): هو بضمِّ العين وفتح القاف: ابن خالد بن عَقِيل؛ بفتح العين وكسر القاف، وليس في «صحيح البخاريِّ» بضمِّ العين غيرُه، وله في «مسلمٍ» أيضًا، ومثلُه: (بنو عُقَيل) القبيلةُ المعروفةُ، لهم ذكرٌ في حديث عِمرانَ بنِ حُصينٍ عند مسلمٍ، فذكر حديث العَضْباء، وأنَّها كانت لرجلٍ منْ بني عُقَيل، وفي «مسلمٍ» أيضًا: (يحيى بنُ عُقَيلٍ الخزاعيُّ البصريُّ)، والباقي في «الصحيحين»، و«الموطَّأ»: (عَقِيل)؛ بفتح العين وكسر القاف، والله أعلم. /
قوله: (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ): هو العَلَمُ الفَرْدُ أبو بكرٍ محمَّدُ بنُ مسلمِ بنِ عُبيد الله بن عبد الله بن شهابٍ الزُّهريُّ، ترجمتُه معروفةٌ فلا نطوِّلُ بها، مِن ساداتِ التابعين وصغارِهم، وسأذكر في (كتاب الجنائز) مَنْ لقي مِنَ الصحابةِ [خ¦1348]، وبهذا يُعرَف أنَّ روايتَه عن غير(1) مَنْ ذكرت هناك من الصحابة مرسلةٌ؛ فإنَّه كثيرُ الإرسال.
قوله: (عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ): هي بالهمز، وعوامُّ المحدِّثين يقرؤونه بالياء، وقد حُكي: (عيشة) في لغةٍ فصيحةٍ ذَكَرَها أبو عُمر الزاهد في «شرح الفصيح» عن ثعلب، عنِ ابنِ الأعرابيِّ، وحكاها أيضًا عليُّ بن حمزة.
ثمَّ اعلم أنَّ هذا الحديثَ في ابتداء الوحي مرسلُ صحابيٍّ؛ لأنَّها لم تُدرِك ذلك الوقتَ، فتكونُ سمعتْه منه صلعم، أو مِن صحابيٍّ آخر، ومرسلُ الصحابيِّ حجَّةٌ عند الجمهور، خلافًا لأبي إسحاقَ الإسفرايينيِّ وطائفةٍ يسيرة.
قوله: (مِنَ الْوَحْيِ): في (مِن) قولان:
أحدهما: أنَّها لبيان الجنس.
ثانيهما: للتبعيض.
قال القزَّاز(2) بالأوَّل(3)؛ كأنَّها قالت: من جنس الوحي، وليست الرؤيا من الوحي حتى تكون (من) للتبعيض، وردَّه القاضي عياض، وقال: (بل يجوز أن تكون للتبعيض؛ لأنَّها من الوحي؛ كما جاء في الحديث: «أنَّها جُزْءٌ مِنَ النُّبُوَّةِ»).
قوله: (الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي الْنَّوْمِ): وفي «مسلمٍ»: «الصادقةُ»، وفي روايةِ مسلمٍ للمؤيَّد الطوسيِّ: «الصالحةُ»، وكذا رواه البخاريُّ في (كتاب التعبير): «الصادقةُ» [خ¦6982]، وكذا في (سورة اقرأ) في (التفسير) [خ¦4953] [خ¦4956]، و(الصادقة) و(الصالحة)(4) بمعنًى؛ وهي تباشير النُّبوَّة؛ لأنَّه لم يقع فيها ضِغْث.
قوله: (فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا): هي بغير تنوينٍ، على وزن (فُعْلى)، وجمعُها: (رُؤًى) على وزنِ (رُعًى)، قاله الجوهريُّ.
قوله: (مِثْلَ فَرَقِ): (مثلَ): منصوبٌ على الحال؛ أي: جاءتِ الرؤيا مُشْبِهَةً فَلَق الصُّبح؛ أي: ضياءَه؛ إذا انفلقَ وانمازَ عن ظلام الليل، وذلك حين يتَّضحُ فلا يُشَكُّ فيه، و(فَلَق الصبح) و(فَرَقه)؛ بفتح أوَّلهما وثانيهما: ضياؤُه، وإنَّما يُقال هذا في الواضح البيِّن.
تنبيهٌ: قال القاضي عياض وغيرُه من العلماء: (إنَّما ابتُدِئَ صلعم بالرؤيا لئلَّا يَفْجَأَه الملَكُ، ويأتيَه صريحُ النُّبُوَّة بغتةً، فلا تحتمله قُوى البشريَّة، فبُدِئَ بأوائلِ خِصال النُّبُوَّة وتباشيرِ الكرامة من صدق الرُّؤيا، وما جاء في الحديث الآخر من رؤية الضوء، وسماع الصوت، وسلام الحَجَر والشجر(5) عليه بالنُّبُوَّة) انتهى.
قوله: (ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ): هو بالمدِّ؛ أي: الخَلْوة، وهي شأنُ الصالحين.
قوله: (بِغَارِ): هو الكهف في الجبل.
قوله: (حِرَاءٍَ): هو يُمدُّ ويُقْصَر، ويؤنَّث ويُذَكَّر، ويُصْرَف ولا يُصْرَف، وهو جبلٌ على ثلاثة أميالٍ من مكَّة، قال الخطَّابيُّ: (أهلُ الحديث يُخطِئون فيه في ثلاثة مواضع: يفتحون حاءَه [وهي مكسورةٌ]، ويكسرون الراء وهي مفتوحةٌ، ويقصرونه وهو ممدودٌ)(6)، وقوله: (على ثلاثة أميالٍ من مكَّة) يعني: عن يسار الذاهب إلى مِنًى.
قوله: (فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ _وَهُوَ التَّعَبُّدُ_): هذا تفسير (التحنُّث)، قال شيخنا الشَّارح: (يَحتمل أن يكون هذا التفسير من عائشة، وأن يكون ممَّن دونها) انتهى، والذي ظهر لي: أنَّ الذي ينبغي أن يقال: إنَّه يَحتمل أن يكون هذا التفسير من عائشة، أو من عروة الراوي عنها، أو من ابن شهاب؛ وهو الزُّهريُّ، ولا يكون ممَّن دون هؤلاء؛ وذلك لأنَّ مداره على الزُّهريِّ فيما أعلم، وأصحابُ الزُّهريِّ غالبُهم رواه عنه كذلك، وبعضهم اختصر الحديث، فلم يقل منه إلَّا قطعةً يسيرة، والله أعلم.
معناه: يَطَّرِحُ الإثمَ عن نفسه بفعلِ ما يُخرِجُه عنه مِنَ البِرِّ، وهو بحاءٍ مهملة، ثمَّ نونٍ مشدَّدة، ثمَّ مثلَّثة، وعنِ ابن هشام: (التحنُّث: التحنُّف، يُبدلون الفاء مِنَ الثاء، يريدون الحنيفيَّة)، وقال أبو أحمدَ العسكريُّ: (رواه بعضهم: «تتحنَّف» بالفاء)، ثمَّ نقل عن بعض أهل العلم أنَّه قال: (سألتُ أبا عَمرو الشيبانيَّ عن ذلك، فقال: لا أعرف «تتحنَّث»، إنَّما هو «تتحنَّف» من «الحنيفيَّة»؛ أي: تتَّبِع دين إبراهيم ◙).
قال الدِّمياطيُّ ما لفظُه: (ثلاثةُ أفعالٍ مخالفةٌ لسائر الأفعال: «تحنَّث»، و«تحوَّب»، و«تأثَّم»؛ ألقى الحِنْثَ والحُوبةَ والإثمَ(7) عن نفسه، وغيرُها يكون بمعنى: تكسَّب، قاله ابن بطَّال، وزاد غيرُه: «تحرَّج») انتهى، قال شيخنا الشَّارح: (والحاصل من ذلك ثمانيةُ ألفاظ: تحنَّث، وتأثَّم، وتحرَّج، وتحوَّب، وتهجَّد(8)، وتنجَّس، وتقذَّر، وتحنَّف) انتهى، قاله شيخنا الشَّارح، ورأيتُ أنا في كتاب «الأضداد» للإمام الصَّغانيِّ: (تحنَّث؛ إذا أتى الحِنْثَ، وإذا تجنَّبَه) انتهى.
قوله: (اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ): هو متعلِّقٌ بـ(يتحنَّث)؛ أي: يتحنَّث اللياليَ، لا بـ(التعبُّد)؛ لأنَّه يَفسُدُ المعنى حينئذٍ؛ فإنَّ التحنُّث لا يُشترَط فيه الليالي، بل يُطلق على القليل والكثير، وأوضح من هذه العبارة: أنَّ التحنُّثَ هو التعبُّدُ مطلقًا، فإذا جعلتَه متعلِّقًا بالليالي؛ بقي(9) أنَّ التحنُّثَ التعبُّدُ بالليالي(10)، وليس كذلك، بلِ التحنُّثُ التعبُّدُ المطلَق لا المقيَّد، والله أعلم.
و(اللياليَ): منصوبٌ على الظرف، و(ذواتِ): بكسر التاء علامةُ النصب.
قوله: (قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إلى أَهْلِهِ): هو بكسر الزاي، وبالعين المهملة؛ أي: يَرْجِعَ، يقال: (نزع إلى أهله)؛ إذا حنَّ إليهم، فرجع [إليهم، و(نزعوا إليه)؛ حنُّوا إليه](11). /
قوله: (فَجَاءَهُ الْمَلَكُ): هو جبريل ◙، وهذا معروف.
قوله: (مَا أَنَا بِقَارِئٍ): قال ابن قُرقُول: (أي: لستُ بقارئٍ؛ لأنَّه أُمِّيٌّ لا يَقرأ الكتب ولا يكتب، وقيل: «ما» استفهاميَّة، والأوَّلُ أصوبُ؛ لأنَّ الباء تمنع من كونها استفهامًا)، وكذا قاله القاضي عياض.
قوله: (فَغَطَّنِي): هو بغينٍ معجمة مفتوحة، ثمَّ طاء مشدَّدة مفتوحة مهملة؛ أي: عصرني، وضمَّني، قال ابن قُرقُول: (أي: غمَّني، ونحوه: «غتَّني»؛ وهو حبس النَّفَس مرَّة، وإمساك اليد أو الثوب على الفم والأنف والحلق، يقال في ذلك: غتَّه يغُتُّه، ويقال بالطاء في الخنق وتغييب الرأس في الماء) انتهى، وقال الدِّمياطيُّ: (غمَّني وخنقني، وإنَّما فعل ذلك؛ ليبلوَ صبرَه، ويُحسِن تأديبَهُ، فيرتاض، ويَحتمل ما كُلِّفه من أعباء النُّبُوَّة) انتهى، وكأنَّ في(12) ذلك إظهارًا للشدَّة والجِدِّ في الأمر، وأن يأخذ الكتاب بقوَّة، ويترك الأناة؛ فإنَّه(13) أمرٌ ليس بالهُوينى، والحكمة في فعل ذلك ثلاثًا: إشارةٌ إلى أنَّك تُبتلى بثلاثِ شدائدَ، ثمَّ يأتي الفرج والرَّوح، وكذلك كان؛ لقي ╕ هو وأصحابُه شِدَّةً منَ الجوع في الشِّعْب حين تعاقدت قريشٌ عليهم، وشِدَّةً أُخرى من الخوف والإيعادِ بالقتل، وشِدَّةً أُخرى من الإجلاء عن أحبِّ الأوطان إليهم، ثمَّ(14) كانت العاقبة للمتَّقين، قاله السُّهيليُّ بمعناه.
قوله: (حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجُـَهْدَُ): يجوزُ في الجيم ضمُّها وفتحُها، ونصبُ الدال وضمُّها، ذَكَرَ فتحَ الدال وضمَّها النوويُّ عن صاحب «التحرير» وغيرِه، ومعناه: الغاية والمشقَّة، فعلى الرفع معناه: بلغ منِّي الجهدُ مبلغَهُ، فحذف (مبلغَه)، وهو المفعول، وعلى النصب معناه: بلغ الملَك منِّي الجهدَ.
قوله: ({اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}[العلق:1]): قال الدِّمياطيُّ: (فيه دليلٌ على ترك التسمية، وأنَّها ليست من كلِّ سورة، وهذه أوَّلُ سورةٍ نزلت، وليس ذلك فيها) انتهى، وقال النوويُّ: (استدلَّ بهذا الحديث بعضُ مَن يقول: إنَّ «بسم الله الرحمن الرحيم» ليست بقرآنٍ في أوائل السور؛ لكونها لم تُذكَر هنا، وجواب المثبِتينَ لها: أنَّها(15) لم تنزل أوَّلًا، بل نزلت البسملة في وقتٍ آخر؛ كما نزل باقي السورة في وقت آخر).
فائدة: في قوله: ({اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}) دليلٌ للجمهور سلَفًا وخلَفًا _وهو الصواب_ أنَّه أوَّل ما نزل من القرآن، وقولُ مَن قال: إنَّ أوَّل ما نزل: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}؛ فيما يتعلَّق بالإنذار، [أو بعد قوله: {اقْرَأْ} إلى قوله: {عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}[العلق:1_5]؛ عملًا بالرواية الآتية: «فأنزل الله: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}» [خ¦4]، أو على أنَّه؟؟ أوَّل ما نزل بعد فترة الوحي، كما هو ظاهر إيراده](16)، قال النوويُّ في أنَّ (المدَّثِّر) أوَّلُ ما نزل: (ليس بشيءٍ)، انتهى، وأبعدَ مَن قال: إنَّ أوَّل ما نزل الفاتحةُ، بل هو شاذٌّ، قال النوويُّ: (وبُطلانه أظهرُ من أن يُذكَر).
غريبة: نقل شيخنا الشَّارح في (تفسير المدَّثِّر) عن عطاء بن أبي مسلم: (أنَّ {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} نزلت قبل {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ})، انتهى، وفي كلام أبي القاسم الحسن بن محمَّد بن حبيب في كتاب «التنزيل»: (قال قتادة: «سورة المزمل» مدنيَّة، وقال الباقون: مكِّيَّة)، وهذا الرجل قيل: إنَّ الحاكم تكلَّم فيه، وذكر أيضًا شيخنا في أوَّل (فضائل القرآن): (أنَّ مجاهدًا زاد {ن وَالْقَلَمِ})، فبقي في المسألة خمسة أقوال: {اقْرَأْ} إلى: {مَا لَمْ يَعْلَمْ}[العلق:1_5]، أو (المدَّثِّر)، أو (المزَّمِّل)، أو (ن)، أو (الفاتحة).
فائدة ثانية: أوَّلُ سورة نزلت بالمدينة: {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ}، كما نقله(17) شيخنا في (تفسيرها).
ثالثة: آخر ما نزل من السُّور (براءة)، وسيأتي في ذلك تعقُّبٌ للداوديِّ في (سورة براءة) إن شاء الله تعالى [خ¦4654]، ونقل النَّحَّاس عنِ ابن عبَّاسٍ ☻: {إِذَا جَاء نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ}[النصر:1]، ونقل شيخنا: (أنَّها آخر سورة نزلت، فيما حكاه ابن النقيب عنِ ابن عبَّاس) انتهى، وهذا في «صحيح مسلم» عنِ ابن عبَّاس.
رابعة: آخر ما نزل من الآيات: {وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ}[البقرة:281]، نقل شيخنا الشَّارح في رواية أبي صالح عنِ ابن عبَّاس: (أنَّها نزلت بمكَّة، وتوفِّيَ بعدَها بأَحَدٍ وثمانين يومًا، زاد ابن المُنْكَدِر(18): هذا مستبعدٌ؛ لما فيه من انقطاع الوحي هذه المدَّةَ، وقيل: نزلت يوم النَّحْر بمِنًى في حجَّة الوداع، ورَوى ابن أبي حاتم، عن سعيد بن جُبير، عنِ ابن عبَّاس: عاش بعدَها تسع ليالٍ، وعند مقاتل: سبع، وحَكى غيرُه: ثلاث ليال، وقيل: ثلاث ساعات، ذكرهما القرطبيُّ، وقيل: إنَّه عاش بعدَها أحدًا وعشرين يومًا) انتهى، وقال ابن عبد السلام: (نزلت آية الكلالة، فعاش بعدَها خمسين يومًا، ثمَّ نزل: {وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ}[البقرة:281]، فعاش بعدها أحدًا وعشرين يومًا، وقيل: سبعة) انتهى، وقيل: (آخر آية نزلت: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ} إلى آخر الآية[النساء:176])، وقيل: ({لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ} إلى آخر الآيتين[التوبة:128_129])، وقيل: (آية الرِّبا)، وسيأتي ذلك عنِ ابن عبَّاس في آخر (سورة البقرة) في (التفسير) [خ¦4544]، ونقل شيخنا الشَّارح في (كتاب الإيمان) عن أنس: (أنَّ آخرَ آية نزلت: {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ}[التوبة:5])، ونقل أيضًا في أوَّل (فضائل القرآن): (أنَّها(19) آية الدَّين)، فتَحرَّر في آخر آية نزلت ستَّةُ أقوال، والله أعلم.
قوله: (زَمِّلُونِي): أي: غطُّوني بالثياب، وائتوني بها.
قوله: (الرَّوْعُ): هو بفتح الراء، وإسكان الواو، وبالعين المهملتين: الفزعُ.
قوله: (لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي): ليس معناه الشَّكَّ في أنَّ ما أتاه من الله تعالى، لكنَّه خشيَ ألَّا يَقْوَى على مقاومة هذا الأمر، ولا يُطيق حَمْلَ أعباء الوحي، فتزهقَ نفسُه، وينخلعَ قلبُه؛ لشدَّة ما لَقِيَه أوَّلًا عند لقاء الملَك، وقيل غير ذلك، وقد ذكر القاضي عياض فيه احتمالين _هذا أوَّلهما_ في «الشِّفا» وفي «شرح مسلم»، قال الشيخ النوويُّ: (والاحتمال الثاني ضعيف) انتهى؛ فلهذا حذفتُه أنا، والله أعلم. /
قوله: (مَا يُخْزِيكَ اللهُ)؛ هو بضمِّ الياء، وبالخاء المعجمة(20)؛ من (الخِزْي)؛ وهو الفضيحة والهَوان، ورواه مسلم كما رواه البخاريُّ، ورواه أيضًا: (يَـُحزُِنك)؛ بالحاء المهملة وبالنون؛ من (الحزن)، ويجوز على هذا فتحُ الياء وضمُّها، يقال: (حَزنه) و(أحزنه)، لغتان فصيحتان، قُرئ بهما في السبع، قال ابن قُرقُول في (الحاء والزاي): («لا يحزنك الله أبدًا»: كذا رواه مَعْمر عنِ الزُّهريِّ، ورواه عنه عُقيل ويونس: «يُخزيك»، من الخِزْي، وهو أصوب) انتهى، وهذا هنا من(21) رواية عُقَيل عنِ الزُّهريِّ.
قوله: (وَتَحْمِلُ الْكَلَّ): هو بفتح الكاف، وتشديد اللَّام؛ أصله: الشيء الثقيل، ويدخل فيه الإنفاق على الضعيف، واليتيم، والعيال، وغير ذلك، من (الكَلال)؛ وهو الإعياء، وعنِ الداوديِّ: (الكَلَّ: المنقطِع).
قوله: (وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ): قال ابن قُرقُول: (بفتح التاء أكثرُ الرواية فيه وأصحُّها؛ ومعناه: تَكْسِبُه لنفسك، وقيل: تُكْسِبُه غيرَك وتُعطيه إيَّاه، يقال: كَسَبْتُ مالًا، وكَسَبْتُه غيري، لازمٌ ومتعدٍّ، وأنكر الفرَّاء وغيرُه «أكسب» في المتعدِّي، وصَوَّبَه ابنُ الأعرابيِّ، وأنشد: [من الطويل]
.................. فَأَكْسَبَنِي مَالًا وَأَكْسَبْتُهُ حَمْدًا)
وقد ذكر فيه القاضي والنوويُّ كلامًا طويلًا، وما قاله ابن قُرقُول ملخَّصٌ، والله أعلم.
قوله: (وَتَقْرِي الضَّيْفَ): هو بفتح أوَّله، تقول: (قَريتُ الضيفَ أَقْرِيهِ قِرًى)؛ بكسر القاف والقصر، و(قَراءً)؛ بالفتح والمدِّ: أحسنتُ إليه.
قوله: (وَتُعِينُ على نَوَائِبِ الْحَقِّ): أي: تُعين بما تقدر عليه، مَنْ أصابته نوائب حقٍّ؛ أعنتَه فيها، و(النوائب): جمع (نائبة)؛ وهي الحادثة والنازلة.
قوله: (وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى): وزاد في (التعبير): (ابْنِ قُصَيٍّ) [خ¦6982]، يجتمع ورقةُ معه ╕ في قُصَيِّ بنِ كِلاب، وكذا خديجةُ ♦، وباقي نسبهما معروف.
ثمَّ اعلم أنَّ ترجمةَ ورقةَ طويلةٌ؛ منها: أنَّه لا عقب له، وقد روى الحاكم في «مستدركه» من حديث عائشة ♦: «لا تسبُّوا ورقةَ؛ فإنِّي رأيتُ له جنَّةً أو جنَّتين»، وكذا أخرجه البزَّار، وفي كتاب الزُّبير من حديث عبد الله بن معاذ، عنِ الزُّهريِّ، عن عروة قال: سُئِلَ رسولُ الله صلعم عن ورقةَ _كما(22) بلغنا_ فقال: «لقد رأيتُه في المنام وعليه ثيابٌ بيضٌ، فقد أظنُّ أنَّه لو كان من أهل النار؛ لم أَرَ عليه البياض»، ورواه الترمذيُّ في (كتاب الرؤيا) من «جامعه» من حديث عثمان بن عبد الرحمن، عنِ الزُّهريِّ، عن عروة، عن عائشةَ ♦ مرفوعًا بنحوه، ثمَّ قال: (حديث غريب، وعثمان بن عبد الرحمن ليس عند أهل الحديث بالقويِّ)، قال السُّهيليُّ: (في إسناده ضعفٌ؛ لأنَّه يدور على عثمان) انتهى، وذكره الحاكم في «المستدرك» في (الرؤيا)، وقال: (صحيحٌ)، وتعقَّبه الذهبيُّ بالوقَّاصيِّ؛ وهو عثمانُ المذكور، انتهى، لكن يقوِّيه(23) قولُه ╕: «رأيتُ القَسَّ _يعني: ورقةَ_ وعليه ثيابُ حريرٍ؛ لأنَّه أوَّلُ مَنْ آمن بي وصدَّقَني»، وذكره ابن إسحاق عن أبي ميسرة عَمرِو بن شُرحبيل.
وقال المَرْزُبانيُّ: (كان ورقةُ من علماء قريش وشعرائهم، وكان يُدعى: القَسَّ، وقال ╕: «رأيتُه وعليه حُلَّةٌ خضراءُ يَرفُلُ في الجَنَّة»، وكان يذكر الله في شِعره، ويسبِّحه).
وقد ذكر شيخنا حافظ العصر العراقيُّ فيما قرأتُه عليه ما(24) لفظه: (وينبغي أن يُقال: إنَّ أوَّلَ مَنْ آمن مِن الرجال ورقةُ بن نوفل؛ لما ثبت في «الصحيحين» من حديث عائشةَ ♦ في قِصَّة بَدْء الوحي...) إلى أن قال: (ففي هذا: أنَّ(25) الوحي تتابع في حياة ورقةَ، وأنَّه آمن به وصدَّقه، وقد روى أبو يَعْلى المَوصليُّ وأبو بكرٍ البزَّارُ في «مسنديهما» من رواية مُجالِد، عنِ الشَّعْبيِّ، عن جابر بن عبد الله: أنَّه ╕ سُئِلَ عن ورقةَ بن نوفل، فقال: «أبصرتُه في بُطْنان الجَنَّة عليه سُنْدُسٌ» لفظ أبي يعلى، قال البزَّار: «عليه حُلَّةٌ مِن سُنْدُسٍ»، وروى البزَّار أيضًا...)؛ فذكر حديثَ عائشةَ ♦ الذي ذكرتُه، ثمَّ قال: (صحيحٌ، رجالُه كلُّهم ثِقات، وقد ذَكَرَ ورقةَ في الصحابة أبو عبد الله ابنُ مَنْدَه [وقال]: «وقد اختُلِف في إسلامه»)، انتهى.
وقال شيخُنا المشار إليه في «سيرته» النظم: [من الرَّجز]
فَهْوَ الَّذي آمَنَ بَعْدُ ثَانِيَا وَكَانَ بَرًّا صَادِقًا مُوَاتِيَا
وَالصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ قَالَ إِنَّهْ رَأَى لَهُ تَخَضْخُضًا(26) في الْجَنَّةْ
وقوله: (ثانيًا) أي: بعد خديجة، وقد نقل الذهبيُّ في «تجريده» كلامَ ابنِ مَنْدَه كما ذكرتُه، ثمَّ قال: (والأظهر: أنَّه مات قبلَ الرسالة وبعدَ النُّبُوَّة).
قوله: (ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ): (ابنَ)(27): منصوبٌ تابعٌ لـ(ورقةَ)؛ لأنَّه ورقةُ بن نوفل بن أسد، وخديجةُ بنتُ خويلد بن أسد، فيُكتبُ بالألف؛ لأنَّه بَدَلٌ مِن (ورقةَ)، ولا يجوزُ جرُّه؛ لأنَّه يصير صفةً لـ(عبد العُزَّى)، فيكونُ عبدُ العُزَّى ابنَ عمِّها، وهو باطلٌ.
قوله: (وَكان امْرَأً تَنَصَّرَ في الْجَاهِلِيَّةِ): اعلم أنَّ ورقةَ ذكر أبو عُمر(28) ابن عبد البَرِّ في ترجمة زيد ابن عَمرو بن نُفيل: أنَّ ورقةَ كان تهوَّدَ قبل أن يتنصَّر، ثمَّ تنصَّر، وأنَّ زيدًا كان أَبَى ذلك؛ يعني: التهوُّد والتنصُّر، والله أعلم، وقوله: (تَنَصَّرَ)؛ أي: ترك في الجاهليَّة عبادة الأوثان، وقيل فيه بالموحَّدة من (البصيرة).
قوله: (في الْجَاهِلِيَّةِ): هي ما قبلَ الإسلام، سُمُّوا بذلك؛ لكثرةِ جهالاتهم، وفي «المطالع» ذَكَرَ الجاهليَّة، ثمَّ(29) قال: (كلُّ ذلك كِناية عمَّا كانت عليه العرب قبل الإسلام وبَعْثِ الرسول ╕ مِنَ الجهل بالله ورسوله(30)، وبشرائع الدين، والتمسُّكِ بعبادة غير(31) الله ╡)، انتهى، وكذا قاله غيره، وهذا يؤخذ أيضًا من عمل البخاريِّ؛ فإنَّه ذَكر (أيَّامَ الجاهليَّة) قبلَ (المَبْعَث)(32)، ولم يَذكر بينهما بابًا غيرَ بابٍ يتعلَّقُ بالجاهليَّة؛ وهو (القسامة في الجاهليَّة) [خ¦63/28-5746].
وقال النوويُّ: («وهذا أبو عثمان النَّهْدِيُّ، وأبو رافع الصائغ، وهما ممَّن أدرك الجاهليَّة»: إنَّ معناه: كانا رجُلَين قبلَ بعثة النبيِّ صلعم، قال: والجاهليَّة ما قبلَ بعثة النبيِّ صلعم، سُمُّوا بذلك؛ لكثرة جهالاتهم)، وقد نازعه شيخُنا الحافظ العراقيُّ في ذلك / فيما قرأتُه عليه، فقال: (وفيما قاله نظرٌ، والظاهرُ: أنَّ المرادَ بإدراك الجاهليَّة: إدراكُ قومه أو غيرهم على الكفر قبل فتح مكَّة؛ فإنَّ العرب بادروا إلى الإسلام بعد فتح مكَّة، وزال أمر الجاهليَّة، وخطب ╕ في الفتح بإبطال أمور الجاهليَّة إلَّا ما كان من سقاية الحاجِّ وسدانة الكعبة، وقد ذكر مسلمٌ في المخضرمين يُسَيرَ بنَ عَمرو، وإنَّما وُلِدَ بعد زمن الهجرة، وكان له عند موت النبيِّ صلعم دون العشر سنين، فأدرك بعض زمن الجاهليَّة في قومه)، انتهى، وممَّا يدُلُّ لما قاله شيخنا: حديثُ ابن عبَّاس الذي أخرجه البخاريُّ منفردًا به: (سمعت أبي يقول في الجاهليَّة: اسقنا كأسًا دِهاقًا) [خ¦3840]، فهذا ابنُ عبَّاس أطلق الجاهليَّة على زمانٍ بعد المبعث بلا خلاف، ومَنْ عرف مولد ابنِ عبَّاس؛ عرف ذلك، والله أعلم.
قوله: (بِالْعِبْرَانِيَّةِ): قال ابن قُرقُول: (كذا وقع في «بدء الوحي»، وصوابُه: «بالعربيَّة»، كما تكرَّر(33) في غيرِ موضعٍ في «كتاب التعبير» [خ¦6982]، و«التفسير» [خ¦4953]، وكما(34) وقع في «مسلمٍ»، وفي(35) «الأنبياء»: «وكان يقرأ الإنجيلَ بالعربيَّة» [خ¦3392]، كذا للكافَّة، وعند ابن السكن: «بالعِبْرانيَّة»، وقال الداوديُّ: ومعنى قوله: «وكان يكتب من الإنجيل بالعبرانيَّة» أي: الذي يقرأ بالعبرانيَّة ينقله بالعربيَّة)، انتهى، وقال النوويُّ: (كلاهما صحيح، وحاصلُهما: أنَّه تمكَّن من معرفة دين النصارى بحيث صار يتصرَّف في الإنجيل، فيكتب أيَّ موضعٍ شاء منه بالعِبْرانيَّة إن شاء، وبالعربيَّة إن شاء، والله أعلم).
قوله(36): (قَدْ عَمِيَ): اعلم أنَّ العميان من الأنبياء: إسحاقُ، ويعقوبُ، وشعيبٌ، وفي عدِّ يعقوبَ نظرٌ؛ لأنَّه أبصر آخرًا.
ومن الأشراف: عبد المطَّلب بن هاشم، وأُمَيَّة بن عبد شمس، وزُهْرة بن كِلاب، ومُطْعِم بن عَدِيٍّ.
ومِنَ الصحابة _سواء كان أعمى في عهده، أو حدث له بعد وفاته ╕_: البراءُ بن عازِب، وجابرُ بن عبد الله، وحسَّان بن ثابت، والحكم بن أبي العاص، وسعد بن أبي وقَّاص، وسعيد بن يربوع، وصخر بن حرب أبو سفيان، والعبَّاس بن عبد المطَّلب، وعبد الله بن الأرقم(37)، وعبد الله بن عُمر، وعبد الله بن عبَّاس، وعبد الله بن عُمير، وعبد الله بن أبي أوفى، وعِتْبان بن مالك، وعُتبة بن مسعود الهُذليُّ، وعثمان بن عامر أبو قُحافة، وعَقِيل بن أبي طالب، وعَمرو ابن أمِّ مكتوم المؤذِّن، وقَتادة بن النُّعمان، هذا على ما جاء في حديث: أنَّ عينيه أُصيبتا، وهذا قد لا يُعَدُّ؛ لأنَّه ╕ رَدَّهما، ومثله: حبيب بن فُديك أبو فُديك _ويقال: حبيب بن فويك، والأوَّل أصحُّ_ أنَّه ╕ دعا له وهو أعمى مبيضَّةٌ عيناه، فأبصر، وكان يُدخل الخيط في الإبرة، مختلفٌ في حديثه، وسبب ما جرى لعينيه(38) قاله له ╕: كنتُ أُمَرِّنُ جملًا لي، فوقعتُ على بيضِ حيَّةٍ، فأُصيب بصري، فنفث رسول الله صلعم في عينيه، فأبصر.
وكعبُ بن مالك، ومالكُ بن(39) ربيعة أبو أُسيد الساعديُّ، ومَخْرمة بن نوفل، وورقة على القول بأنَّه صحابيٌّ، وهو الظاهر.
تنبيه: وأمَّا حديث عثمان بن حُنيف الأنصاريِّ _وهو أخو سهل بن حُنيف_ الذي في «سنن الترمذيِّ»، و«عمل اليوم والليلة» للنَّسائيِّ، و«سنن ابن ماجه»: (أنَّ رجلًا ضريرَ البصر أتى النبيَّ صلعم، فقال: ادْعُ اللهَ أن يعافيَني...)؛ الحديث؛ يحتملُ أن يكون قد ذُكِر فيمَن تقدَّم، ويحتمل أَنْ لا، والله أعلم.
ونقل(40) القرطبيُّ في «تفسيره»: أنَّ عبد الله بن زيد رائي الأذان عَمِيَ بعد النبيِّ صلعم، وسأذكر سبب ذلك في أوَّل (بَدْء(41) الأذان) إن شاء الله تعالى [خ¦10-966].
فهؤلاء من الصحابة ثلاثة وعشرون، أو خمسة وعشرون.
ومن التابعين: عطاء بن أبي رَباح، وأبو بكر بن عبد الرحمن، وقَتادة بن دِعامة، وأبو عبد الرحمن السُّلَميُّ، وأبو هلال الراسبيُّ.
قوله: (ابْنَ عَمِّ): كذا هنا، وفي «مسلم»: (أَيْ عَمِّ)، وفيه: (ابنَ عَمِّ) أيضًا، والأوَّل صحيحٌ؛ لأنَّه ابنُ عمِّها، والثاني صحيحٌ أيضًا، قالته تعظيمًا له؛ لسِنِّه ولعِلْمه، وقال ابن قُرقُول: («أَيْ عَمِّ»، كذا لمسلمٍ، وفي «البخاريِّ»: «يَا ابْنَ عَمِّ»، قال بعضُهم: وهو الصواب، ولا يَبْعُدُ أن تدعوَه بعمِّها _لسِنِّه وجلالة قَدْره_ وإن كان ابنَ عمِّها).
قوله: (هذا النَّامُوسُ): يعني: جبريل ◙، و(الناموس): صاحب سِرِّ الخير.
قوله: (على مُوسَى) إن قيل: لِمَ لم يقل: عيسى؛ لقُرْبه منه؟! والجواب: أنَّه جاء في غير «الصحيح»: (نزَّل الله على عيسى)، وكلاهما صحيح، وعن الزبير بن بَكَّار أنَّه رواه فقال: (ناموس عيسى ابن مريم)، أمَّا عيسى؛ فلقُرْب زمنه منه، وأمَّا موسى؛ فأبدى له السُّهيليُّ معنًى آخرَ؛ وهو: (أنَّ ورقةَ قد تنصَّر، والنصارى لا يقولون في عيسى: إنَّه نبيٌّ يأتيه جبريلُ، وإنَّما يقولون: إنَّ أُقْنُومًا مِنَ الأَقانِيم الثلاثة حَلَّ بناسوتِ المسيح، على الاختلاف بينهم في ذلك الحلول، وهو أُقْنُوم الكلمة، والكلمة عندهم عبارةٌ عنِ العلم؛ فلذلك كان المسيح في زعمهم يعلم الغيب، ويُخبر بما في الغد في زعمهم الكاذب، فلمَّا كان هذا مذهبَ النصارى؛ عَدَلَ عن ذِكْر عيسى إلى ذِكْر موسى؛ لعلمه ولاعتقاده أنَّ جبريل كان ينزل على موسى، ثمَّ قال: لكنَّ ورقة قد ثبت إيمانُه بمحمَّد صلعم)، ثمَّ ساق حديث الترمذيِّ السالف، انتهى.
و(الأُقْنُوم) في كلامه: الأصل، قال في «الصحاح»: (وأحسبها رُومِيَّة).
قوله: (فيهَا جَذَعًا): الضمير في (فيها) يعود على(42) أيَّام النُّبُوَّة ومُدَّتِها.
قوله: (جَذَعًا): هو بالذال المعجَمة المفتوحة، وفتح(43) الجيم، ويأتي ما هو، قال ابن قُرقُول: (كذا لأكثرهم _يعني: بالنصب_ وللأصيليِّ وابن ماهان: «جَذَعٌ»، خبر «ليت»، والنصبُ على الحال، والخبرُ مضمرٌ؛ أي: فأَنْصُرَه وأُعِينَه، وقيل: معناه: يا ليتني أُدركُ أَمرَك، فأكونَ أوَّلَ مَنْ يقوم بنَصْرك؛ كالجَذَع الذي هو أوَّلُ أسنان البهائم، والقولُ الأوَّل أبينُ؛ أي: شابًّا قويًّا؛ كالجَذَع من الدوابِّ، حتى أُبالغَ في نصرك).
وقال شيخنا الشَّارح: (واختلفوا في وجه النصب على ثلاثة أوجه:
أحدها: نصبه على أنَّه خبر «كان» المقدَّرة؛ تقديره: يا ليتني أكون جَذَعًا، قاله الخطَّابيُّ، والمازَريُّ، وابن الجوزيِّ في «مشكله»، وهو يجيء على مذهب الكوفيِّين؛ كما قالوا في قوله تعالى: {انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ}[النساء:171]: أي: يكُنِ الانتهاء خيرًا لكم، ومذهب البصريِّين: أنَّ {خَيْرًا} في الآية منصوبٌ بفعلٍ مضمرٍ يدُلُّ عليه {انتَهُواْ}؛ تقديره: انتهوا وافعلوا خيرًا لكم، وقال الفرَّاء: «انتهوا انتهاءً خيرًا لكم(44)»، وضُعِّفَ هذا الوجه بأنَّ «كان» الناصبة لا تُضمَر إلَّا إذا كان في الكلام لفظٌ ظاهر يقتضيها؛ كقولهم: «إنْ خيرًا؛ فخير».
ثانيها: نصبُه على الحال، وخبر «ليت» قوله: «فيها»؛ والتقدير: ليتني كائنٌ فيها _أي: في مدَّة الحياة_ في هذا الحال شبيبةً وصِحَّةً وقُوَّةً لنُصرتك؛ إذ كان قد أسنَّ وعَمِيَ عند هذا القول، ورجَّح هذا القاضي عياض، وقال: «إنَّه الظاهر»، وقال النوويُّ: «إنَّه الصحيح الذي اختاره المحقِّقون».
ثالثها: أن(45) تكون «ليت» عملت عمَلَ «تمنَّيت»، فنصبتِ الاسمين، كما قال الكوفيُّون، وأنشدوا: [من الرجز]
يَا لَيْتَ أَيَّامَ الصِّبَا رَوَاجِعَا) انتهى.
وله: (إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ): استعمل فيه (إذ) في المستقبل كـ(إذا)، وهو استعمالٌ صحيح، ومثله قوله تعالى: {إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ} [مريم:39]، و {إِذِ الْقُلُوبُ}[غافر:18]، / وقوله: {إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ}[غافر:71]، وقدِ استُعمل كلٌّ منهما في موضع الأخرى، ومن الثاني: قوله تعالى: {إِذَا ضَرَبُواْ فِي الأَرْضِ}[آل عمرن:156]، {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً}[الجمعة:11]، و {إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ}[التوبة:92].
قوله: (أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ؟): هو بفتح الواو على الاستفهام، و(أو) إذا جاءت للتقرير، أو التوبيخ، أو الردِّ، أو الإنكار، أو الاستفهام؛ كانت الواو مفتوحةً، وإذا جاءتْ للشَّكِّ، أو التقسيم(46)، أو الإبهام، أو التسوية، أو التخيير، أو بمعنى الواو على رأي بعضهم، أو بمعنى (بل)، أو بمعنى (حتَّى)، أو بمعنى (إلى)، وكيف ما كانت عاطفة؛ فهي ساكنةُ الواو.
والياء في (مُخرِجيَّ) مشدَّدة، وهو جمع: (مُخرِج)، ويجوزُ تخفيفها، والصحيح: التشديد، وبه جاءت الرواية، وقال السُّهيليُّ: (لا بُدَّ من تشديد الياء في «مُخرِجيَّ»؛ لأنَّه جمعٌ)، ثمَّ ذكر كلامًا حسنًا، فإن أردتَه؛ فانظره في أوائل «روضه».
ثمَّ على التشديد يجوزُ فتحها وكسرها؛ ومنه قوله تعالى: {بِمُصْرِخِيَّ}[إبراهيم:22]، قرئ بهما في السبع؛ فقرأ حمزةُ بالكسر، وهي لغةٌ حكاها الفرَّاء وقُطْرُب، وأجازها أبو عَمرو، وقرأ الباقون بفتحها.
فائدة: ذكر الإمام أبو القاسم السُّهيليُّ: أنَّ في قوله: «أَوَمُخرِجيَّ هم؟» حُبَّ الوطن، انتهى، وعنِ الإمام أبي نصر عبد الوهَّاب ابن شيخ الإسلام تقيِّ الدين عليِّ بن عبد الكافي السُّبكيِّ الشافعيِّ: (أنَّ أحسن منه أن يقال: تحرَّكت نفسُه لِما في الإخراج من فوات ما نُدِب إليه من إيمانهم وهدايتهم؛ فإنَّ ذلك مع التكذيب والإيذاء مترقَّبٌ، ومع الإخراج منقطعٌ، وذلك هو الذي لا شيء عند الأنبياء عليهم السلام أعظم منه؛ لأنَّه امتثال أمر الله تعالى، وأمَّا مفارقةُ الوطن؛ فهو أمرٌ جِبِلِّيٌّ، والنبيُّ صلعم أجلُّ وأعلى مقامًا من الوقوف عنده في هذا الموطن العظيم) انتهى(47).
قوله: (يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ): أي: وقتُ خروجِكَ.
قوله: (مُؤَزَّرًا): هو بضمِّ الميم، ثمَّ همزة مفتوحة، ثمَّ زاي مفتوحة مشدَّدة، ثمَّ راء؛ أي: بالغًا قويًّا.
قوله: (يَنْشَبْ): هو بفتحِ الشَّين؛ أي: يلبَث.
قوله: (وَفَتَرَ الْوَحْيُ): إن قيل: ما الحكمة في فُتوره؟ فالجواب: لعلَّه لذهاب ما حصل له من الرَّوع، وليتشوَّفَ لعَودِه.
فائدة: لَمْ يذكر هنا مقدار الفترة، وقد جاء في حديثٍ مسندٍ(48) كما أفاده السُّهيليُّ في «روضه»: (أنَّها كانت سنتين ونصفًا)، والله أعلم.
قوله: (قَالَ ابْنُ شِهَابٍ): هو الزُّهريُّ، وقد تقدَّم، ويأتي.
قوله: (وَأَخْبَرَنِي أبو سَلَمَةَ بْنُ عبد الرَّحْمَنِ): اسمُ أبي سلمةَ عبدُ الله، وقيل: إسماعيل، والصحيح الأوَّل، وقيل: لا يُعرف اسمه، وقال أحمدُ ابنُ حَنبلٍ: (كنيتُه هي اسمُه)، وهو أحد الفقهاء السبعة عند أكثر علماء(49) الحجاز، كما قاله الحاكم، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطَّاب، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث.
والفقهاء السبعة: خارجة بن زيد بن ثابت، والقاسم بن محمَّد بن أبي بكر، وعروة بن الزبير، وسليمان بن يسار، وعبيد الله بن عبد الله بن عُتبة، وسعيد بن المُسَيِّـَب، وأبو سلمة المذكور.
واعلم أنَّ قول ابن شهاب: (وأخبرني أبو سلمة) هو معطوفٌ على السند المذكور قبلَه؛ أعني:
قولَ البخاريِّ: (حَدَّثنا يَحيى ابن بُكير: حَدَّثنا اللَّيث عن عُقَيْلٍ، عنِ ابنِ شِهابٍ قَالَ: أَخبرني أَبو سَلَمَةَ ابنُ عَبدِ الرَّحمن: أَنَّ جَابِرَ بنَ عبدِ الله الأنصاريَّ قال...)؛ الحديث، وليس هذا تعليقًا، فاعلمه.
وقد غلط فيه بعضُ شارحي هذا الكتاب _على ما بلغني من(50) بعض العلماء، ثمَّ رأيتُه في «شرحه للبخاريِّ»_ فظنَّه تعليقًا، وإنَّما هو معطوفٌ على السند المذكور قبلَه، وانظر «أطراف المِزِّيِّ»؛ تجد ذلك، وهذا ظاهر عند أهل الصناعة، والله أعلم.
قوله: (فَرَعُبْتُ مِنْهُ): بفتح الراء و[ضمِّ] العين قيَّده الأصيليُّ، ولغيره: (فرُعِبْتُ)، وهما لغتان (رَعُب) و(رُعِب)، حكاهما يعقوب، قاله ابن قُرقُول، انتهى.
قوله: ({وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ})[المدثر:5]: أي: الشِّركَ، أو الشيطانَ، أو الظُّلْمَ، وقيل: العذابَ؛ أي: سببَه، وأصلُه: ما يؤثِّم ويلطِّخ، وقيل: نفسَك فخالِفْ، أو حُبَّ الدنيا؛ فإنَّه رأس كلِّ خطيئة، والناسُ يُورِدُون: «حبُّ الدنيا...» إلى آخره؛ حديثًا، وإنَّما هو معروف من كلام جُندبٍ البَجَليِّ موقوفًا عليه، قاله الحافظ أبو العبَّاس ابن تيمية، وقد عزاه شيخنا العراقيُّ لمالك بن دينار، وقال: (كذلك رواه ابن أبي الدنيا في «مكايد الشيطان» بإسناده إليه)، قال: (وقد رُوي من كلام عيسى ابن مريم، كما رواه البيهقيُّ في كتاب «الزهد»).
قوله: (فَحَمِيَ الْوَحْيُ): أي: قَوِيَ واشتدَّ.
قوله: (تَابَعَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ وَأَبُو صَالِحٍ): الضميرُ في (تَابَعَهُ) يعود على (يحيى ابن بُكَير)؛ أي: تابع عبدُ اللهِ بنُ يوسفَ وأبو صالحٍ يحيى ابنَ بُكَيرٍ على روايته هذا الحديث عنِ الليث به(51)، و(يوسف): فيه تثليث السِّين مع الهمز وعدمه؛ سِتُّ لغات.
ومتابعةُ عبد الله بن يوسف أخرجها البخاريُّ في مكانين آخرين(52) عنه عنِ الليث به(53)، في (أحاديث الأنبياء) بتمامه [خ¦3392]، وفي (التفسير) مختصرًا [خ¦4957].
و(أبو صالح): هو عبد الله بن صالح كاتب الليث، كذا رأيتُ في حاشيةٍ على أصلنا لـ«صحيح(54) البخاريِّ»، وقال شيخنا الشَّارح(55): (وأمَّا أبو صالح؛ فاسمه عبد الغفَّار بن داود بن مهران... ونسبه البكريُّ الحرَّانيُّ...)؛ فذكر ترجمته، وهي معروفة، انتهى، وهو شيخ البخاريِّ، وروى له معه: أبو داود، والنسائيُّ، وابن ماجه.
ومتابعة كاتب الليث ليست في الكتب السِّتَّة إلَّا ما هنا، وكذلك إنْ كان عبدَ الغفَّار لا أعلم متابعتَه في شيءٍ من الكتب السِّتَّة إلَّا ما هنا.
فائدة: اعلم أنَّ المتابعة أن يُعتبَر الحديثُ؛ أي: تنظرَه بروايات غيرِ ذلك الشخصِ من الرواة، هل شاركه في ذلك الحديثِ راوٍ غيرُه، فرواه عن شيخه أم لا؟ فإن شاركه أحدٌ ممَّن يُعتبر بحديثه؛ أي: يصلح حديثُه للاعتبار والاستشهاد به _[ومَن يُعتبر به(56) من المجروحين عبارتُهم في جَرحه معروفة، مثل أن يقال في جَرحه: ضعيفٌ، أو منكَرُ الحديث، أو مضطربُه، أو واهٍ، أو ضعَّفُوه(57)، أو لا يُحتجُّ به، أو فيه مَقالٌ، أو ضُعِّفَ، أو فيه ضَعْفٌ، أو تُنْكِرُ وتَعرفُ، أو ليس بذاك، أو ليس بالمتين، أو ليس بالقويِّ، أو ليس بحُجَّةٍ، أو ليس بعُمدةٍ، أو ليس بالمَرْضيِّ، أو للضَّعْفِ(58) ما هوَ، أو فيه خُلْفٌ، أو طعنوا فيه، أو سيِّئُ الحِفظِ، أو ليِّنٌ، أو تكلَّموا فيه؛ فكلُّ مَنْ قيل فيه واحدٌ مِنْ هذه الألفاظِ؛ فإنَّه يُعتبرُ بحديثِه، ومَن جُرِحَ بغيرِ واحدٍ مِنْ هذه الألفاظِ؛ فلا يُعتبرُ به، والله أعلم](59)_؛ فيُسمَّى حديث هذا الذي شاركه تابعًا.
وإن لم تَجِدْ أحدًا تابعَه عليه عن شيخه؛ فانظرْ هل تابعَ أحدٌ شيخَ شيخِه فرواه متابعًا له أم لا؟ فإن وجدتَ أحدًا تابع شيخَ شيخِه عليه، فرواه كما رواه؛ فسمِّهِ أيضًا تابعًا، وقد يسمُّونه شاهدًا، فإن لم تَجِدْ؛ فافعلْ ذلك فيمَن فوقَه إلى آخرِ الإسناد حتَّى في الصحابيِّ، فكلُّ مَنْ وُجِدَ له متابِعٌ؛ فسمِّهِ تابعًا، وقد يسمُّونه شاهدًا، كما تقدَّم.
فإن لم تَجِدْ لأحدٍ ممَّن فوقه متابعًا؛ فانظر هل أتى بمعناه حديثٌ آخر في الباب أم لا؟ فإن أتى بمعناه حديثٌ آخر؛ فسمِّ ذلك الحديثَ شاهدًا.
وإنْ لم تَجِدْ حديثًا يؤدِّي معناه؛ فقد عدمت المتابعات والشواهد، فالحديثُ إذن فَرْدٌ(60)، وهذا معنى قول المحدِّثين(61): الاعتبار، والمتابعات، والشواهد، والله أعلم.
تنبيه: وقوله: (تَابَعَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ وَأَبُو صَالِحٍ): وهما مِنْ شيوخه، فالظاهرُ أنَّه أخذ عنهما هذه المتابعة مذاكرةً، والظاهرُ أنَّها مثلُ قوله: (قال فلان)، فإذا كان(62) (فلان) شيخَه؛ فإنَّه يكون قد أخذه عنه في المذاكرة، وهو مثل قوله: (حدَّثنا) أو (أخبرنا)، والله أعلم، وسيأتي مثل هذا المقال(63) بأطول من هذا وأوضح [خ¦142].
وأمَّا كاتب الليثِ عبدُ الله بن صالح؛ فقد قال الذهبيُّ: (والأصحُّ أنَّه روى عنه البخاريُّ في «الصحيح»)، كذا في «الكاشف»، وفي «تذهيبه» قال: (وعنه: «خت»)؛ يعني: البخاريَّ تعليقًا، قال: (واستشهد به في «الصحيح»، وقيل: إنَّه روى عنه في «الصحيح» كما(64) نذكره في اسم الذي بعدَه)، وقد ذكر في ترجمة الذي بعده روايةَ البخاريِّ في (تفسير سورة الفتح): (حدَّثنا عبد الله: حدَّثنا عبد العزيز بن أبي سلمةَ في قوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ}[الأحزاب:45] [خ¦4838])، ثمَّ قال: (فزعم الكلاباذيُّ واللَّالكائيُّ أنَّه عبد الله بن صالح العِجْلِيُّ، وقال أبو عليٍّ ابنُ السَّكَن في روايته عنِ الفِرَبْرِيِّ عنِ البخاريِّ: «حدَّثنا عبد الله بن مَسْلَمة(65)»؛ يعني: القَعْنبيَّ، وقال أبو(66) مسعود في «الأطراف»: هو عبد الله بن رجاء، قال: والحديث عن عبد الله بن صالح، وعبد الله بن رجاء، وقال الغسَّانيُّ: «هو عبد الله بن صالح كاتب الليث»، وقال أبو الوليد هشام بن أحمد بن هشام: هو عبد الله بن مسلمةَ، وهو القَعْنَبيُّ...) إلى أن قال: (قال شيخنا أبو الحجَّاج: «وأَولى(67) الأقوال بالصواب: قولُ مَن قال: إنَّه كاتب الليث»)، ثمَّ بَرهن على ذلك؛ فانظره، هذا في (الفتح)، وأمَّا هنا؛ فلا أعلمُ آلصحيحُ ما في الحاشية، أو الذي قاله شيخنا الشَّارح(68) ؟ وقد راجعتُ «الأطراف» للمِزِّيِّ، فلم أَرَهُ(69) عيَّنَه، وإنَّما ذَكَرَه بالكُنيةِ فقط، ولم يوضِّحه، والله أعلم.
قوله: (وَتَابَعَهُ هِلَالُ بْنُ رَدَّادٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ): الضميرُ(70) في (تَابَعَهُ) يعود على (عُقَيْلٍ).
و(هِلَالٌ) هذا: والدُه بتقديم الراء على الدالين المهملتين وبينهما ألفٌ، وهو طائيٌّ، ويقال: كِنانيٌّ، روى عنِ الزُّهريِّ، وعنه: ابنه محمَّدٌ المعروف بحمَّاد، علَّق له البخاريُّ هنا كما تَرى.
قال الذهبيُّ في «ميزانه»: (هلالُ بنُ ردَّادٍ، عنِ الزُّهريِّ، لا يُدرَى مَنْ هو _ونحوه في «المغني»_ روى عنه ولده محمَّد، ويعرف بحمَّاد بن هلال)، انتهى، وإنَّما جهَّله؛ لأنَّه لم يرو عنه إلَّا واحدٌ، وليس مشهورًا في غير ذلك، وقال شيخنا الشَّارح: (قال ابن أبي(71) حاتم: مجهولٌ)، انتهى، ولم أَرَ أنا له ترجمةً في «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم.
ومتابعتُه ليست في شيءٍ من الكتب السِّتَّة إلَّا ما هنا.
قوله: (وَقَالَ يُونُسُ وَمَعْمَرٌ): تعليقُ يونس أخرجه البخاريُّ ومسلمٌ؛ البخاريُّ في (التفسير) [خ¦4953]، ومسلمٌ في (الإيمان)، أمَّا (مَعْمَرٌ)؛ فهو بفتح الميمين وإسكان العين بينهما، وهو مَعْمرُ بنُ راشدٍ، وتعليقُ مَعْمَرٍ أخرجه البخاريُّ ومسلمٌ؛ البخاريُّ في (التفسير) [خ¦4956]، وفي (التعبير) [خ¦6982]، ومسلمٌ في (الإيمان)، و(يُونُسُ) هو ابنُ يزيدَ الأَيليُّ، لا يونسُ بنُ محمَّدٍ المؤدِّبُ الحافظ، وفيه سِتُّ لغاتٍ تقدَّمتْ(72): تثليثُ النون، والهمزُ وعدمُه، وكلاهما مِن رواة الزُّهريِّ، وترجمتُهما معروفتان. /
قوله: (بَوَادِرُهُ): هو بفتح الموحَّدة، وتخفيف الواو بعدَها، وبعدَ الألف دالٌ مهملة، وهو جمعُ: (بادرة)؛ وهي اللَّحمةُ التي بين المَنْكِب والعُنُق.
[1] (غير): سقطت من (ب).
[2] تصحَّف في (ب)، وهو أبو عبد الله محمَّد بن جعفر القزاز القيرواني التميمي النَّحْوي (ت412هـ)، له «الجامع في اللغة»، انظر «إنباه الرواة» ░3/84▒، «سير أعلام النبلاء» ░17/326▒.
[3] في (ب): (فالأول).
[4] في (ب): (والصالحة والصادقة).
[5] في (ب): (الشجر والحجر).
[6] «إصلاح غلط المحدثين» (ص45▒، والعبارة في (أ) و(ب): (يفتحون حاءه ويكسرون الراء وهما مفتوحان...)، والمثبت من مصدره.
[7] (والإثم): ليست في (أ).
[8] في (ب): (وتهجَّد وتحوَّب).
[9] لم تظهر في (أ)، وتحتمل في (ب): (يبقى).
[10] في (أ): (الليالي).
[11] ما بين معقوفين سقط من (ب)، انظر الكلام في «التوضيح» ░2/257▒.
[12] (في): سقطت من (ب).
[13] في (ب): (وإنه).
[14] (ثم): سقطت من (ب).
[15] (أنَّها): سقطت من (ب).
[16] ما بين معقوفين سقط من (ب)، وانظر «المنهاج شرح مسلم» ░2/375▒.
[17] في (ب): (ذكره).
[18] كذا نقله المصنف عنِ ابن الملقن، وفي (ب): (ابن المنذر)، وفي هامش (أ): (ولعله ابن المنذر)، ولعله الصواب.
[19] في (أ) و(ب): (أنَّ)، ويصح على تقدير: (أنَّ آية الدين آخر ما نزل).
[20] في (ب): (المعجمتين)، ولا يستقيم إلَّا أن تكون العبارة: (وبالخاء والزاي المعجمتين).
[21] (من): سقطت من (ب).
[22] في (ب): (لما).
[23] في (ب): (يفوته)، وهو تصحيف.
[24] (ما): سقطت من (ب).
[25] في (ب): (أي).
[26] في (أ): (تخضضًا)، وفي (ب): (تخضعًا)، والمثبت من مصدره، والتخضخض: الحركة والاضطراب.
[27] (ابن): ليس في (ب).
[28] في (ب): (عمرو)، ولا يصح.
[29] (ثم): ليست في (ب).
[30] في (ب): (وبرسوله).
[31] (غير): سقطت من (ب).
[32] في (ب): (البعث).
[33] في (ب): (تقرر).
[34] في (ب): (ولما).
[35] في (ب): (في).
[36] جاء في هامش (أ) بخطٍّ مغاير كلمة: العميان.
[37] في (ب): (الهرم)، وهو خطأ.
[38] في (ب): (بعينيه).
[39] زيد في (ب): (أبي)، ولا يصح.
[40] في (ب): (وذكر).
[41] في (ب): (باب).
[42] في (ب): (إلى).
[43] في (ب): (وضم)، ولا يصحُّ.
[44] (لكم): سقطت من (ب).
[45] من هنا بداية النسخة (ج).
[46] (أو التقسيم): ليس في (ب).
[47] ذكره الإمام أبو نصر تاج الدين السبكيُّ عن والده الإمام تقيِّ الدين في «طبقات الشافعيَّة الكبرى» ░10/285▒، ومن قوله: (من إيمانهم وهدايتهم) إلى هنا تقدَّم في (ب) إلى بداية الفائدة، مع بعض تصحيف؛ إذ النصُّ مُستدرك في هامش (أ)، فوَهِمَ الناسخ في موضعه، والله أعلم.
[48] في (ب): (مسندًا)، وكلاهما صحيح.
[49] في (ب): (أهل).
[50] في (ب): (أن)، ولا يصح.
[51] (به): سقطت من (ب)، انظر «التوضيح» ░2/315▒.
[52] (آخرين): سقط من (ب).
[53] (به): سقطت من (ب).
[54] في (ب): (تصحيح)، ولا يصح.
[55] (الشَّارح): سقط من (ب).
[56] به: سقطت من (ب).
[57] في (ب): (ضعيف)، وهو تكرار.
[58] في (ب): (للضعيف).
[59] ما بين معقوفين تأخَّر في (ب) بعد قوله: (وسيأتي مثل هذا المكان بأطول من هذا، وأوضح).
[60] في (ب): (قوله).
[61] في (ب): (المحققين).
[62] في (ب): (قال).
[63] تحرفت في (ب) إلى: المكان.
[64] في (ب): (لما).
[65] في (ب): (سلمة)، قلت: كذا في رواية أبي ذر أيضًا: عبد الله بن مسلمة.
[66] في (ج): (ابن)، ولا يصح، وهو الإمام الحافظ أبو مسعود إبراهيم بن محمَّد بن عبيد الدمشقيُّ، صاحب «أطراف الصحيحين»، (ت400هـ)، انظر «سير أعلام النبلاء» ░17/227▒.
[67] في (ب): (فأولى).
[68] (الشَّارح): ليس في (ب)، لذي قاله الشارح _ يعني ابن الملقِّن _ كما في «التوضيح» ░2/317▒ هو أنَّ أبا صالحٍ اسمه عبد الغفار بن داود بن مهران... البكريُّ الحرَّانيُّ، كما تقدم، وقد وهَّم الحافظُ ابن حجر قائلَ هذا، انظر «فتح الباري» ░1/38▒.
[69] في (ب): (أر).
[70] في (ب): (والضمير).
[71] (أبي): ليس في (ب).
[72] (تقدمت): سقطت من (ب) و(ج)، وقد تقدمت اللغات قريبًا في ضبط (يوسف).