التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: كان رسول الله أجود الناس

          6- قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدَانُ): هو لقبٌ، واسمُه عبدُ الله بنُ عثمانَ بنِ جَبَلَةَ بنِ أبي روَّاد العَتَكِيُّ المروزيُّ، أبو عبد الرحمن الحافظ، تصدَّقَ بألفِ ألفٍ، وعاش ستًّا وسبعين سنةً، وتوفِّي سنةَ ░221هـ▒، قال بعضُهم: إنَّما قيل له(1): (عبدان)؛ لأنَّ كنيتَه: أبو عبد الرحمن، واسمُه: عبد الله، فاجتمعَ في اسمِه وكُنيتِه العبدان، وتعقَّبَه بعضُهم فقال: (هذا لا يصحُّ، بل ذلك مِن تغيير العامَّة للأسامي وكسرِها لها في زمن صِغَرِ المُسَمَّى، أو نحو ذلك).
          قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ: حَدَّثَنَا(2) يُونُسُ): (عبدُ الله)(3) هذا: هو ابنُ المبارك، شيخُ خُراسان، ترجمتُه معروفةٌ؛ فلا نُطوِّلُ بها.
          قوله: (عَنِ الزُّهْرِيِّ): هو ابنُ شهابٍ المذكور، تقدَّم أنَّه محمَّدُ بنُ مسلمِ بنِ عبيدِ اللهِ بنِ عبدِ الله ابنِ شهابٍ.
          قوله: («ح»: وَحَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ): اعلم أنَّ هذا أوَّلُ مكانٍ وقعَ فيه التحويلُ، واعلم أنَّها جرتْ عادةُ أهل الحديث إذا كان للحديث إسنادان فأكثرَ، وجمعوا بين الأسانيد في متنٍ واحدٍ، إذا انتقلوا مِن سندٍ إلى سندٍ آخرَ؛ كتبوا بينهما حاءً مفردةً مهملةً صورة (ح)، والذي عليه عملُ أهلِ الحديث أَن يَنطِقَ القارئُ بها كذلك(4) مفردةً، واختارَه أبو عمرو بن الصلاح، وذهب الحافظُ عبد القادر الرُّهاويُّ إلى أنَّ القارئَ لا يلفظُ بها، وأنَّها حاءٌ مِن حائل؛ أي: تحوُل بين الإسنادين، وأنكر كونَها مِن قولهم: الحديث وغير ذلك، لمَّا سأله ابنُ الصلاح عن ذلك، قال ابنُ الصلاح: (وذاكرت فيها بعضَ أهل العلم مِن أهل الغرب(5)، وحكيتُ له عن بعضِ مَن لقيتُ مِن أهل الحديث أنَّها حاءٌ مهملةٌ؛ إشارةً إلى قولنا: «الحديث»، فقال لي: أهل الغرب _وما عرفتُ بينهمُ اختلافًا_ يجعلونها حاءً مهملة، ويقول أحدُهم إذا وصل إليها: الحديث).
          قال ابن الصلاح: (وحكى لي بعضُ مَن جمعتني وإيَّاه الرحلةُ بخُراسان عمَّن وصفَه بالفضل مِنَ الأصبهانيِّينَ: أنَّها مِنَ التحويل مِن إسنادٍ إلى إسنادٍ آخرَ).
          وقال ابن الصلاح: (وجدتُ بخطِّ الأستاذ الحافظ أبي عثمان الصابونيِّ، والحافظ أبي مسلمٍ عمرَ بنِ عليٍّ الليثيِّ البخاريِّ، والفقيه المحدِّث أبي سعيد الخليليِّ في مكانها بدلًا عنها «صح» صريحةً، قال: وهذا يُشعرُ بكونِها رمزًا إلى(6) «صح»، وحَسُنَ إثباتُ «صح» ههنا؛ لئلَّا يُتوهَّم أنَّ حديث هذا الإسناد سقطَ، ولئلَّا يُرَكَّب الإسنادُ الثاني على الأوَّل، فيُجعلا إسنادًا واحدًا).
          وأمَّا (بِشْرٌ)؛ فهو ابنُ محمَّدٍ، وهو بموحَّدةٍ، وشينٍ معجمةٍ، مَروزيٌّ، انفرد البخاريُّ بالإخراج له، ذكره ابنُ حِبَّانَ في «الثقات»، تُوُفِّيَ سنةَ ░224هـ▒.
          قوله: (نَحْوَهُ): هو منصوبٌ مفعولُ (وَحَدَّثَنَا)، وهذا معطوفٌ على السند قبلَه، لا تعليقًا؛ فاعلمه، والضميرُ في (نحوَه)؛ أي: نحوَ الحديث الآتي بعدَه، وهذا خلافُ عمل الناس في عودِ الضميرِ، والله أعلم. /
          قوله: (وَكَانَ أَجْوَدَُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ): رفعُ الدالِ مِن (أَجْوَدُ) أصحُّ وأشهرُ، قاله النوويُّ في «شرح مسلم»؛ أي: كان أجودُ أكوانِه(7) رمضانَ؛ أي: أحسنُ أيَّامه فيها، فهو مبتدأٌ مضافٌ إلى المصدرِ، وخبرُه ([في] رَمَضَانَ)، والنصبُ على أنَّه خبرُ (كَانَ)، وفيه بُعْدٌ؛ لأنَّه يلزمُ منه أنَّ(8) خبرَها هو اسمُها، ولا يصحُّ إلَّا بتأويلٍ بعيدٍ، وقال المُحِبُّ الطبريُّ عن شيخِه محمَّد ابن أبي(9) الفضل السُّلميِّ: (بالرفع، ولا يجوزُ فيه النصب...) إلى آخر كلامه(10)، وقال بعضُ مشايخي: (إنَّ ابنَ مالكٍ سُئل عن ذلك، فذكر للرفعِ ثلاثةَ أوجهٍ، وللنصبِ وجهين)، ثمَّ قال: (وفي ذهني أنَّه رجَّحَ الرفعَ، وأنَّ القُرطبيَّ إمَّا رجَّح النصبَ، وإمَّا جزمَ به) انتهى.
          قوله: (فَلَرَسُولُ اللهِ): هو بفتح اللَّام، والذي كنتُ أفهمُه أنَّها لامُ الابتداء، دخلت تأكيدًا، ورأيتُ بعضَهم قال: إنَّها لامُ القَسَمِ، والله أعلم، وشيخُنا الشَّارحُ لم يتعرَّض لها، إلَّا أنَّه قال: (إنَّها مفتوحةٌ).
          قوله: (مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ(11)): يعني: إسراعًا وعمومًا، وقيل: عطاؤه عامٌّ؛ كالريح.


[1] (له): ليست في (ب).
[2] في (ب): (بن).
[3] (عبد الله): ليست في (ب).
[4] في (ب): (لذلك).
[5] زيد في (ب): (وما عرفت بينهم اختلافًا يجعلونها حاء مهملة، ويقول أحدهم).
[6] في (ب): (لما).
[7] في (ب): (أحواله).
[8] (أن): ليست في (ب).
[9] (أبي): ليست في (ج).
[10] انظر «غاية الإحكام» ░4/286▒، وفي هامش (ج): (قال المحبُّ الطَّبريُّ: قال شيخُنا أبو عبد الله محمَّد ابن أبي الفضل السُّلَميُّ المفسِّر المحدِّث الفقيه الأصوليُّ النَّحْويُّ: قوله: «وكان أجود ما يكون» يقال بالرَّفع، ولا يجوز فيه النَّصب؛ لأنَّ «ما» مصدريَّةٌ مُضافةٌ إلى «أجودُ»، وتقديره: وكان جودُه الكثيرُ في رمضانَ، وإذا قيل: وكان هو جودَه في رمضان؛ بالنَّصب على الخبر؛ لم يجز ذلك إلا اتِّساعًا، وهو قبيح، ولو قدَّرنا «ما» نكرةً مضافةً؛ لَدَخَلَ في ذلك مَنْ يُتصوَّرُ منه الجودُ ومَنْ لا يُتصوَّر، وذلك غيرُ سائغٍ في اللِّسان، هذا آخِرُ كلامه.
قلتُ: ويمكن أن يُقال: تُخَصُّ النَّكرةُ باقتران الجود بها، فلا يَدخل فيه إلَّا مَن يُتصوَّرُ منه الجودُ، وحينئذٍ يجوز النَّصب، قال [أي: النَّوويُّ] ☺: الرَّفع من ثلاثة أوجُهٍ:
أحدُها: أن يكون بدلًا من المضمر بدلَ اشتمالٍ؛ كقولكَ: «نفعني زيدٌ علمُه الغزيرُ».
والثَّاني: أن يكون مبتدأً، و«في رمضانَ» خبرُه، والجملة خبر «كان»، [واسمها] المضمرُ.
والثَّالث: أن يكون هو نفسه اسم «كان»، والخبر «في رمضانَ»، انتهى لفظه).
[11] (المرسلة): ضرب عليها في (ج).