التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: إنما الأعمال بالنيات

          1- قوله: (حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ): هو عبد الله بن الزُّبير، وقد ورد مُسمًّى في بعض الطرق في هذا المكان، ترجمتُه معروفةٌ؛ فلا نُطَوِّل بها، وهو الفقيه، أحدُ الأعلام، صاحبُ ابن عُيينةَ، وسمع مِنَ الزَّنجيِّ، وإبراهيمَ بنِ سَعْدٍ، وغيرِهما، وعنه: البخاريُّ، وأبو زُرعةَ، وأبو حاتمٍ، وخلقٌ، قال الفَسويُّ: (ما لقيتُ أنصحَ للإسلامِ منه)، ماتَ سنةَ ░219هـ▒(1)، أخرج له البخاريُّ، وأبو داودَ، والتِّرمذيُّ، والنَّسائيُّ.
          وهو نسبةٌ إلى حُمَيد؛ بضمِّ الحاء المهملة: بطنٌ مِن أسد بن عبد العُزَّى بن قُصيٍّ، وقال النوويُّ في «إملائه»: (هو نسبةٌ إلى جدِّه حُميد)، وقال السَّمعانيُّ: (سمعتُ شيخَنا أبا القاسم إسماعيلَ بنَ محمَّدٍ الحافظ يقول: هو منسوبٌ إلى الحُميدات؛ وهي قبيلةٌ)، انتهى، وسيجيءُ في (تفسيرِ براءةَ) [خ¦4665] أنَّ الحُميدات: بطنٌ مِنْ قُريشٍ.
          قولُه: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ): هو ابنُ عُيينةَ، وهو بضمِّ السين، وحُكِي كسرُها، وفتحُها أيضًا، و(عُيَينة)(2): بضمِّ العين وكسرها أيضًا، ترجمته معروفةٌ؛ فلا نُطوِّلُ بها، وقد صرَّح بالتحديث هنا، وهو مُدَلِّسٌ، ولكن لا يُدَلِّسُ إلَّا عن ثقةٍ، وقد ذكرتُ المُدلِّسينَ في جزء مفردٍ مرتَّبٍ على حروف [المعجم]، وذكرتُ طبقاتِهِم في التدليس، فمَن أراده فلينظرْه.
          هذا الخلاف في عنعنة المدلِّس إنَّما يكون في غير(3) ابن عيينة، وذلك [أنَّ] ابن عبد البرِّ قد(4) حكى عن أئمَّة الحديث أنَّهم قالوا: يُقبَلُ تدليسُ ابنِ عُيينةَ(5)؛ [لأنَّه إذا وقف أحال على ابنِ جُريجٍ ومَعْمَرٍ](6) ونظرائِهما، وهذا ما رجَّحَه ابنُ حِبَّان، وقال(7): (هذا شيءٌ ليس في الدنيا إلَّا لسُفيان ابن عُيينةَ(8)؛ فإنَّه كان لا يُدلِّسُ إلَّا عن ثقةٍ متقنٍ، ولا يكاد يوجد لابن عُيينةَ خبرٌ دلَّس فيه إلَّا وقد(9) بيَّن سماعه عن ثقةٍ مثل ثقته)، ثمَّ مثَّل ذلك(10) بمراسيلِ كبار الصحابة؛ فإنَّهم لا يُرسلونَ إلَّا عن(11) صحابيٍّ، وقد سبقَ ابنَ عبد البرِّ إلى ذلك الحافظُ أبو بكرٍ البزَّار _بالراء في آخره_ وأبو الفتح الأزديُّ؛ قال البزَّارُ: (مَن كان يُدلِّسُ عنِ الثقات(12)؛ كان تدليسُه عند أهل العلم مقبولًا)، وعن أبي بكرٍ الصيرفيِّ من الشافعيَّة في كتاب «الدلائل» مثلُه، ولفظُه: (كلُّ مَن ظهر تدليسُه عن غير الثقات؛ لم يُقبَلْ خبرُه حتى يقول: حدَّثني(13)، أو سمعتُ)، انتهى.
          وقد نَظَمَ ذلك في بيتين بعضُ أصحابنا، فقال: [من الرجَز]
أَمَّا الإِمَامُ ابْنُ عُيَيْنَةٍ فَقَدْ                     إِغْتَفَرُوا تَدْلِيسَهُ مِنْ غَيْرِ رَدْ /
          قوله: (أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيمِيُّ(14)): سيأتي بعضُ ترجمته في آخر (كتاب الصوم) قُبَيل (الاعتكاف) [خ¦2018] إن شاء الله تعالى وقدَّره.
          قوله: (بِالنِّيَّاتِ): هي جمعُ (نِيَّة)، و(النِّيَّة): بالتشديد والتخفيف.
          قوله: (إِلَى دُنْيَا): هي بضمِّ الدال على المشهور، وحُكيَ كسرُها، وجمعُها: (دُنًا)، وسُمِّيت بذلك؛ لدنوِّها، والنسبةُ إليها: دُنيَويٌّ، ودُنيَيٌّ، ودُنياويٌّ، وهي مقصورةٌ غيرُ منوَّنةٍ على المشهور، وهو الذي جاءت به الرواية، ويجوزُ في لغةٍ غريبةٍ تنوينُها، قال شيخنا الشَّارح: (وفي حقيقتِها قولان للمتكلِّمين؛ أحدُهما: ما على الأرض معَ(15) الجوِّ والهواء، وأظهرُهما: كلُّ المخلوقات مِنَ الجواهر والأعراض الموجودة قبل الدار الآخرة).
          قوله: (أَوْ إِلَى امْرَأَة يَنْكِحُهَا): قال شيخنا الشَّارح: (هذا الحديث ورد على سببٍ؛ وهو أنَّه لمَّا أُمِر بالهجرة إلى المدينة تخلَّف جماعةٌ عنها، فذمَّهُمُ الله تعالى بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ}...؛ الآية[النساء:97]، ولم يُهاجر جماعةٌ؛ لفقدان استطاعتِهِم، فعَذَرَهُمُ اللهُ، واستثناهم بقوله: {إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ}...؛ الآية [النساء:98]، وهاجر المخلصون إليه، فمدحَهُم في غير موضعٍ مِنْ كتابه، وكان في المهاجرين جماعةٌ خالفتْ نِيَّتُهم نِيَّةَ المخلصين، منهم مَن كانت نِيَّتُه تزوُّجَ امرأةٍ كانت بالمدينة يُقال لها: أمُّ قيسٍ _وعن ابن دحيةَ: أنَّ اسمها قَيلة_ فسُمِّي: مُهاجِرَ أمِّ قيسٍ، ولا يُعرف اسمُه) انتهى.
          و(أُمُّ قيسٍ) هذِه معدودةٌ في الصحابيَّات، قال الذهبيُّ في «تجريده» ما لفظُه: (قال ابنُ مسعودٍ ☺: كان فينا رجلٌ خطب امرأةً يُقال لها: أُمُّ قيسٍ، فأبتْ(16) أن تَزوَّجه حتى يُهاجِر(17)، فهاجَرَ فتزوَّجَها، فكُنَّا نُسمِّيه: مهاجرَ أُمِّ قيسٍ)، قال شيخُنا الحافظ العراقيُّ: (رواه الطبرانيُّ بإسنادٍ جيِّدٍ من حديث ابن مسعود)، انتهى، وهذا يدُلُّ على أنَّهما صحابيَّان، والله أعلم.


[1] في (ب): ░214هـ▒، وهو خطأ.
[2] زيد في (ب): (هو).
[3] جاء في (ب): (قوله: في عيينة قوله عيينة مدلس قوله يكون في غير) وهو تصحيف وتحريف.
[4] (قد): ليست في (ب).
[5] قوله: (يقبل تدليس...): مثبت من (ب)، وهو بياض في هامش (أ).
[6] ما بين معقوفين استُدرك من المصدر؛ إذ هو في هامش (أ)، وفيه تآكل ومحو، وسقط من (ب).
[7] (وقال): مثبت من (ب).
[8] (بن عيينة): مثبت من (ب).
[9] (وقد): مثبتة من (ب)، وهي بياض في هامش (أ).
[10] (ذلك): مثبت من (ب).
[11] (إلَّا عن): مثبت من (ب).
[12] (عن الثقات): مثبت من (ب).
[13] (حدَّثني): مثبت من (ب).
[14] (التيمي): سقطت من (ب).
[15] في (أ) و(ب): (من)، والمثبت من مصدره، ولعلَّه الصواب.
[16] في (ب): (وأبت).
[17] زيد في (ب): (بها).