التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب

          قوله: (بابٌ) بلا ترجمة: ذكر فيه حديث أبي بكر ☺: (انطلقت، فإذا أنا براعي غنمٍ يسوق غنمه...)، الحديث، كذا في أصلنا هذا الباب، وقد عُمِل عليه علامة نسخة، وابن المُنَيِّر أورده كذلك بلا ترجمة، وقال: (أدخل البخاريُّ هذا الحديث في أبواب اللُّقطة؛ تنبيهًا على أنَّ المُبيح للَّبن في حقِّ النَّبيِّ صلعم _والحالة هذه_ أنَّ اللَّبن في حكم الضَّائع؛ لأنَّ الغنم في الصَّحراء، وليس معها سوى راعٍ، وما عسى هذا الرَّاعي يشرب من لبنها، فالفاضل عن شربه مُستهلَكٌ لا ماليَّة فيه، فهو كالسَّوط الذي اغتُفِر التقاطُه، وكالتَّمرة، وأعلى أحواله أن يكون كالشَّاة اللُّقطة في المضيعة، وقد قال فيها: «هي لك أو لأخيك أو للذئب»، وكذلك هذا اللَّبن هو إن لم يُحْلَب مُستهلَكٌ على كلِّ حال، فلهذا استباحه، لا لأنَّه مالُ حربيٍّ؛ إذ الغنائم لم تكن أُحلَّت بعدُ، ولا لأنَّه بالعادة مسموح فيه؛ لأنَّ هذا ليس على إطلاقه عادة)، انتهى.
          وقال النَّوويُّ في «شرح مسلم»: (وهذا الحديث ممَّا يُسأَل عنه فيقال: كيف شربوا اللَّبن من الغلام، وليس هو مالكَه؟ وجوابه مِن أوجهٍ؛ أحدها: أنَّه محمول على عادة العرب أنَّهم يأذنون للرُّعاة(1) إذا مرَّ بهم ضيفٌ أو عابر سبيل أن يسقُوه اللَّبن ونحوه، والثاني: أنَّه كان لصديق لهم يدلون عليه، وهذا جائز، والثَّالث: أنَّه مالُ حربيٍّ، ولا أمان له، ومثل هذا جائزٌ، والرَّابع: أنَّهم كانوا مضطرِّين، والجوابان الأوَّلان أجود) انتهى، والأوَّل والثَّالث ردَّهما ابنُ المُنَيِّر في كلامه أعلاه، وقد نقل شيخنا عن ابن أبي صُفْرة: (أنَّ حديث الهجرة في زمن المكارِم)، انتهى.
          وينبغي أن يُسْأَل أيضًا، وهو أنَّه ما وجه ذكر البخاريِّ له بـ(باب) بلا ترجمة بعد (باب من عرَّف اللُّقطة ولم يدفعها إلى السُّلطان)؟ وجوابه في كلام ابن المُنَيِّر المُتقدِّم.


[1] في (ب): (لرعاتهم).