التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب: العجماء جبار

          قوله: (بَابٌ: العَجْمَاءُ جُبَارٌ): اعلم أنَّ للعلماء فيما تُفسدُه البهائمُ إذا انفلتتْ ليلًا أو نهارًا ثلاثةَ مذاهبَ: الضمانُ مطلقًا، وهو مذهبُ الليث، وعدمُه إلَّا أن يكون له فعلٌ فيها، وهو مذهبُ الكوفيِّين، ثالثها: التفصيلُ بين ما أفسدتْه نهارًا، فلا ضمانَ إلَّا أن يكون صاحبُها معها ويقْدِرُ على منعها، وبين ما أفسدتْه ليلًا، فضمانُه على أرباب المواشي، قاله مالكٌ والشَّافِعيُّ(1).
          قوله: (وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ): تَقَدَّمَ أنَّه مُحَمَّد بن سيرين، وتَقَدَّمَ الكلامُ على بني سيرين وبناته، وكم هم [من] واحد [خ¦67].
          قوله: (كَانُوا لَا يُضَمِّنُونَ): هو بضَمِّ أوَّله، وكسر الميم المُشَدَّدة.
          قوله: (مِنَ النَّفْحَةِ): هو بالحاء المُهْمَلَة، (نفحت الدَّابَّةُ): ضربتْ برِجلها.
          قوله: (وَقَالَ حَمَّادٌ): الذي ظهر لي أنَّه ابنُ زيد، وقد رأيتُ الذَّهَبيَّ في «تذهيبه(2)» ذكر مكانًا واحدًا من «البُخاريِّ» لفظه: (عن حَمَّاد)، وأنَّه أرادَ به البُخاريُّ حَمَّادَ بنَ أبي سليمان، وهو: (ما إذا أقرَّ مرَّة بالزنى عند الحاكم، رُجِم) [خ¦93/21-10632]، ورأيتُ ابنَ زيد عالمَ أهل البصرة وممَّن أخذ عنه الثَّوريُّ، فغلبَ على ظنِّي أنَّه أراد به هنا _وكذا المكان الذي بعدَه الذي يأتي قريبًا_ حَمَّادَ بنَ زيد، والله أعلم، فإن كان هو _وهو الظاهر_ فقد تَقَدَّمَ [خ¦105]، وإن كان ابنَ أبي سلمان، فاسمُ أبي سليمان مسلمٌ، وكنيةُ حَمَّادٍ: أبو إسماعيل، أشعريٌّ كوفيٌّ، أحد الأئمَّة الفقهاء، سمع أنسًا، وتفقَّه بإبراهيم النَّخَعيِّ، روى عنه: سفيان، وشعبة، وأبو حنيفة، وخلقٌ، تُكُلِّم فيه للإرجاء، قال في «الميزان»: (ولولا ذكر ابنُ عديٍّ له في «كامله»؛ لما أوردته، قال ابن عَدِيٍّ: كثير الرواية، له غرائبُ، وهو متماسِكٌ، لا بأس به، وقال ابنُ مَعِين وغيرُه: ثقةٌ، وقال أبو حاتم: صدوق، لا يُحتَجُّ به، مستقيمٌ في الفقه، فإذا جاء الأثر؛ شوَّش)، انتهى، له ترجمةٌ في «الميزان»، وقد أخرج له مسلمٌ والأربعةُ، وذكره ابنُ حِبَّانَ في «الثقات» فقال: (يُخطئ، وكان مرجئًا)، فإن أردت تتمَّة ترجمته، فانظرها من المطوَّلات، مات سنة ░120هـ▒، وقال ابنُ حِبَّانَ: سنة ░119هـ▒.
          قوله: (النَّفْحَةُ): تَقَدَّمَ أعلاه ما (النفحة).
          قوله: (إِلَّا أَنْ يَنْخُـِسَ): هو بضَمِّ الخاء وكسرها؛ لُغَتان حكاهما الجوهريُّ، وفي هامش أصلنا ما لفظه: (تُضَمُّ وتُكسَر وتُفتَح، والضمُّ أعلى اللغات، ولم يحكِ الجوهريُّ سوى الفتح والضمِّ)، انتهى، والذي في نسختي بـ «الصحاح» _وقد قوبلت أربع مَرَّاتٍ، وهي صحيحة غايةً_: (ينخُسه وينخِسه)، بضَمِّ الأولى، وكسر الثانية بالقلم، والله أعلم.
          قوله: (وَقَالَ شُرَيْحٌ): تَقَدَّمَ مِرارًا أنَّه بالشين المُعْجَمَة، والحاء المُهْمَلَة، وهو ابنُ الحارث، القاضي المشهور، تَقَدَّمَ مترجمًا [خ¦324].
          قوله: (مَا عَاقَبَتْ(3) أَنْ يَضْرِبَهَا فَتَضْرِبَ بِرِجْلِهَا) انتهى: (عاقبتْ): هو بتاء التأنيث الساكنة، و(إلَّا) في أصلنا مضروبٌ عليها بالحمرة، و(إلَّا) في أصلنا الدِّمَشْقيِّ ملحقةٌ بغير خطِّ الكاتب ولا المقابل في آخر السطر، قال ابنُ الأثير في «نهايته»: (ومنه حديث شريح: «أنَّه أبطل النفح إلَّا أن تُضْرَب فتُعاقِب»، أي: أبطل نفح الدَّابَّة برجلها إلَّا أن تُتبع ذلك رَمْحًا)، انتهى.
          وقوله: (لَا تُضْمَنُ): بضَمِّ أوَّله، وفتح الميم، مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، قال ابنُ قُرقُول: (وفي «باب العجماء جُبار»: «قال شريحٌ: لا تُضْمَنُ _يعني: الدَّابَّة_ ما عاقبتْ أنْ يَضربَها، فتَضرب _بسبب ذلك_ برجلها»، هو كلامٌ صحيحٌ، [ومعنى «عاقَبَت» هنا: فعَلَت ذلك من أجلِ فعلِكَ بها، كما فسَّرناه قبلُ في معنى «العقابِ»، وعندَ ابنِ السَّكنِ: «إلَّا أن تضرِبها»، وهذا صحيحٌ] على مذهب مالكٍ وجماعةٍ غيره، وليس مذهبَ شريح، بل مذهبه: أنَّه لا تُضمَنُ بوجهٍ، ورواه بعضُهم: «إذا عاقبتْ أنْ تضربها»؛ [أي]: إذا لم تضربها، نحو(4) معنى رواية ابن السكن، وكلُّه وَهَمٌ، لما ذكرناه من مذهب شريح المعلوم)، انتهى.
          قوله: (وَقَالَ الحَكَمُ وَحَمَّادٌ): أمَّا (الحَكَم)، فهو ابن عُتيبة الإمام، وأمَّا (حَمَّاد)، فالذي ظهر لي أنَّه ابن زيد، فإن كان هو _وهو الظاهر_ فقد تَقَدَّمَ [خ¦105]، وانظر ما ذكرتُه أعلاه، فإنَّه سببُ ما غلب على ظنِّي أنَّه حَمَّادُ بنُ زيد، والله أعلم، وإن كان ابنُ أبي سليمان، فقد تَقَدَّمَ أعلاه بعض ترجمته.
          قوله: (إِذَا سَاقَ المُكَارِي حِمَارًا): قال الجوهريُّ: (الكراء: ممدودٌ؛ لأنَّه مصدرُ «كاريت»، والدليل على ذلك: أنَّك تقول: رجلٌ مكارٍ، و«مُفاعلٌ» إنَّما هو من «فَاعَلْتُ»، وهو من ذواتِ الواو؛ لأنَّك تقول: أعطِ الكَرِيَّ كِرْوَته، بالكسر، أي: كِراءه...) إلى أن قال: (والمُكاريْ: مخفَّف، والجمع: المكارون، سقطت الياء؛ لاجتماع الساكنين، تقول: هؤلاء المُكَارون، وذهبتُ إلى المُكَارِين، ولا تقلْ: المُكارِيِّين؛ بالتشديد، وإذا أضفتَ «المُكاري» إلى نفسك، قلتَ: هذا مُكارِيَّ، بياء مفتوحة مُشَدَّدة، وكذلك الجمع تقول: هؤلاء مُكارِيَّ، سقطت نون الجمع؛ / للإضافة، وقُلِبَت الواو ياء، وفَتَحْت ياءك وأُدغِمَت؛ لأنَّ قبلها ساكنًا، وهذان مكارِيايَ؛ تفتح ياءك).
          قوله: (وَقَالَ الشَّعْبِيُّ): هو عامرُ بنُ شَراحيل، تَقَدَّمَ مِرارًا.
          قوله: (فَأَتْعَبَهَا): هو بمُثَنَّاةٍ فوق قبل العين، ثم مُوَحَّدة بعد العين؛ مِنَ التعب؛ وهو النَّصَبُ، وهذا ظاهِرٌ.
          قوله: (وَإِنْ كَانَ خَلْفَهَا مُتَرَسِّلًا): معناه _والله أعلم_: مُتَّئِدًا في مشيته.


[1] هذه الفقرة جاءت مستدركة في (أ) قبل الفقرة السابقة، وانظر «الذخيرة» ░12/263-264▒، «المهذَّب» ░2/226▒، وهو قول الإمام أحمد أيضًا كما في «المغني» ░12/481▒.
[2] في (أ): (تهذيبه)، والمُثْبَت هو الصَّواب، انظر «تذهيب التهذيب» ░3/17▒ ░1500▒.
[3] زيد في (أ): (إلا)، وضرب عليها بالحمرة.
[4] في (أ): (بحق)، والمثبت وما استدرك قبلُ من مصدره.