فتح الباري بشرح صحيح البخاري

كتاب القدر

          قوله (♫)
          ░░82▒▒ (كتاب القدر)
          زاد أبو ذر عن المستملي <باب في القدر> وكذا للأكثر دون قوله كتاب القدر والقدر بفتح القاف والمهملة قال الله تعالى {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:49] قال الراغب القدر بوضعه يدل على القدرة وعلى المقدور الكائن بالعلم وتضمن الإرادة عقلاً والقول نقلاً وحاصله وجود شيء في وقت وعلى حال بوفق العلم والإرادة والقول وقدر الله الشيء بالتشديد قضاه ويجوز بالتخفيف وقال ابن القطاع قدر الله الشيء جعله بقدر والرزق صنعه وعلى الشيء ملكه ومضى في باب التعوذ من جهد البلاء في كتاب الدعوات ما قال ابن بطال في التفرقة بين القضاء والقدر وقال الكرماني المراد بالقدر حكم الله وقالوا _أي العلماء_ القضاء هو الحكم الكلي الإجمالي في الأزل والقدر جزئيات ذلك الحكم وتفاصيله.
          وقال أبو المظفر ابن السمعاني سبيل معرفة هذا الباب التوقيف من الكتاب والسنة دون محض القياس والعقل فمن عدل عن التوقيف فيه ضل وتاه في بحار الحيرة ولم يبلغ شفاء العين ولا ما يطمئن به القلب لأن القدر سر من أسرار الله تعالى اختص العليم الخبير به وضرب دونه الأستار وحجبه عن عقول الخلق ومعارفهم لما علمه من الحكمة فلم يعلمه نبي مرسل ولا ملك مقرب وقيل إن سر القدر ينكشف لهم إذا دخلوا الجنة ولا ينكشف قبل دخولها انتهى.
          وقد أخرج الطبراني بسند حسن من حديث ابن مسعود رفعه ((إذا ذكر القدر فأمسكوا)) / وأخرج مسلم من طريق طاوس أدركت أناساً من أصحاب رسول الله صلعم يقولون كل شيء بقدر وسمعت عبد الله بن عمرو يقول قال رسول الله صلعم ((كل شيء بقدر حتى العجز والكيس)) قلت والكيس بفتح الكاف ضد العجز ومعناه الحذق في الأمور ويتناول أمور الدنيا والآخرة ومعناه أن كل شيء لا يقع في الوجود إلا وقد سبق به علم الله ومشيئته وإنما جعلهما في الحديث غايةً لذلك للإشارة إلى أن أفعالنا وإن كانت معلومة لنا ومرادةً منا فلا تقع مع ذلك منا إلا بمشيئة الله وهذا الذي ذكره طاوس_مرفوعاً وموقوفاً_مطابق لقوله تعالى {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:49] فإن هذه الآية نص في أن الله خالق كل شيء ومقدره وهو أنص من قوله تعالى {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام:102] وقوله تعالى {وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات:96] واشتهر على ألسنة السلف والخلف أن هذه الآية نزلت في القدرية وأخرج مسلم من حديث أبي هريرة ((جاء مشركو قريش يخاصمون النبي صلعم في القدر فنزلت)) وقد تقدم في الكلام على سؤال جبريل في كتاب الإيمان شيء من هذا وأن الإيمان بالقدر من أركان الإيمان وذكر هناك مقالة القدرية بما أغنى عن إعادته ومذهب السلف قاطبة أن الأمور كلها بتقدير الله تعالى كما قال تعالى {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ} [الحجر:21] .