فتح الباري بشرح صحيح البخاري

أبواب صلاة الخوف

          ░░12▒▒ قوله (أبواب صلاة الخوف) ثبت لفظ <أبواب> للمستملي وأبي الوقت وفي رواية الأصيلي وكريمة <باب> بالإفراد وسقط للباقين. /
          قوله (وقول الله ╡ {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ} [النساء:101] ) ثبت سياق الآيتين بلفظهما إلى قوله <{مُّهِينًا}> في رواية كريمة واقتصر في رواية الأصيلي على ما هنا وقال (إلى قوله {عَذَابًا مُّهِينًا} [النساء:102] ) وأما أبو ذر فساق الأولى بتمامها ومن الثانية إلى قوله <{مَّعَكَ}> ثم قال <إلى قوله {عَذَابًا مُّهِينًا}>.
          قال الزين بن المنير ذكر صلاة الخوف إثر صلاة الجمعة لأنهما من جملة الخمس لكن خرج كل منهما عن قياس حكمها في الصلوات ولما كان خروج الجمعة أخف قدمه تلو الصلوات الخمس وأعقبه بصلاة الخوف لكثرة المخالفة ولا سيما عند شدة الخوف وساق الآيتين في هذه الترجمة مشيرًا إلى أن خروج صلاة الخوف عن هيئة بقية الصلوات ثبت بالكتاب قولًا وبالسنة فعلًا انتهى ملخصًا ولما كانت الآيتان قد اشتملتا على مشروعية القصر في صلاة الخوف وعلى كيفيتها ساقهما معًا وآثر تخريج حديث ابن عمر لقوة شبه الكيفية التي ذكرها فيه بالآية.
          ومعنى قوله سبحانه وتعالى ({وَإِذَا ضَرَبْتُمْ}) أي سافرتم ومفهومه أن القصر مختص بالسفر وهو كذلك وأما قوله ({إِنْ خِفْتُمْ}) فمفهومه اختصاص القصر بالخوف أيضًا وقد سأل يعلى بن أمية الصحابي عمر بن الخطاب عن ذلك فذكر أنه سأل رسول الله صلعم عن ذلك فقال ((صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته)) أخرجه مسلم فثبت القصر في الأمن ببيان السنة واختلف في صلاة الخوف في الحضر فمنعه ابن الماجشون أخذًا بالمفهوم أيضًا وأجازه الباقون.
          وأما قوله ({وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ}) فقد أخذ بمفهومه أبو يوسف في إحدى الروايتين عنه والحسن بن زياد اللؤلؤي من أصحابه وإبراهيم بن علية وحكي عن المزني صاحب الشافعي واحتج عليهم بإجماع الصحابة على فعل ذلك بعد النبي صلعم وبقوله صلعم ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) فعموم منطوقه مقدم على ذلك المفهوم وقال ابن العربي وغيره شرط كونه صلعم فيهم إنما ورد لبيان الحكم لا لوجوده والتقدير بين لهم بفعلك لكونه أوضح من القول ثم الأصل أن كل عذر طرأ على العبادة فهو على التساوي كالقصر والكيفية وردت لبيان الحذر من العدو وذلك لا يقتضي التخصيص بقوم دون قوم وقال الزين بن المنير الشرط إذا خرج مخرج التعليم لا يكون له مفهوم كالخوف في قوله تعالى {أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ} وقال الطحاوي كان أبو يوسف قد قال مرةً لا تصلى صلاة الخوف بعد رسول صلعم وزعم أن الناس إنما صلوها معه لفضل الصلاة معه صلعم قال وهذا القول عندنا ليس بشيء وقد كان محمد بن شجاع يعيبه ويقول إن الصلاة خلف النبي صلعم وإن كانت أفضل من الصلاة مع الناس جميعًا إلا أنه يقطعها ما يقطع الصلاة خلف غيره انتهى وسيأتي ذكر سبب النزول وبيان أول صلاة صليت في الخوف في «كتاب المغازي» إن شاء الله تعالى.