فتح الباري بشرح صحيح البخاري

كتاب الرهن

          ░░48▒▒ قوله (كتاب الرهن في الحضر وقول الله ╡ {فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ} [البقرة:283] ) كذا لأبي ذر ولغيره <باب> بدل (كتاب) ولابن شبويه <باب ما جاء> وكلهم ذكر الآية من أولها.
          و(الرهن) بفتح أوله وسكون الهاء في اللغة الاحتباس من قولهم رهن الشيء إذا دام وثبت ومنه {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر:38] وفي الشرع جعل مال وثيقةً على دين ويطلق أيضًا على العين المرهونة تسميةً للمفعول باسم المصدر وأما الرهن بضمتين فالجمع ويجمع أيضًا على رهان _بكسر الراء_ ككتب وكتاب وقرئ بهما وقوله (في الحضر) إشارة إلى أن التقييد بالسفر في الآية خرج للغالب فلا مفهوم له لدلالة الحديث على مشروعيته في الحضر كما سأذكره وهو قول الجمهور واحتجوا له من حيث المعنى بأن الرهن شرع توثقةً على الدين لقوله تعالى {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا} [البقرة:283] فإنه يشير إلى أن المراد بالرهن الاستيثاق وإنما قيده بالسفر لأنه مظنة فقد الكاتب فأخرجه مخرج الغالب وخالف في ذلك مجاهد والضحاك فيما نقله الطبري عنهما فقالا لا يشرع إلا في السفر حيث لا يوجد الكاتب وبه قال داود وأهل الظاهر وقال ابن حزم إن شرط المرتهن الرهن في الحضر لم يكن له ذلك وإن تبرع به الراهن جاز وحمل حديث الباب على ذلك.
          وقد أشار البخاري إلى ما ورد في بعض طرقه كعادته فقد تقدم الحديث في باب شراء النبي صلعم بالنسيئة في أوائل البيوع من هذا الوجه بلفظ ((ولقد رهن درعًا له بالمدينة عند يهودي)) وعرف بذلك الرد على من اعترض بأنه ليس في الآية والحديث تعرض للرهن في الحضر. /