فتح الباري بشرح صحيح البخاري

كتاب الشركة

          ░░47▒▒ قوله (كتاب الشركة) كذا للنسفي وابن شبويه وللأكثر <باب> ولأبي ذر <في الشركة> وقدموا البسملة وأخرها و(الشركة) بفتح المعجمة وكسر الراء وبكسر أوله وسكون الراء وقد تحذف الهاء وقد يفتح أوله مع ذلك فتلك أربع لغات وهي شرعًا ما يحدث بالاختيار بين اثنين فصاعدًا من الاختلاط لتحصيل الربح وقد تحصل بغير قصد كالإرث.
          ░1▒ قوله (الشركة في الطعام والنهد) أما (الطعام) فسيأتي القول فيه في باب مفرد وأما (النهد) فهو بكسر النون وبفتحها إخراج القوم نفقاتهم على قدر عدد الرفقة يقال تناهدوا وناهد بعضهم بعضًا قاله الأزهري وقال الجوهري نحوه لكن قال على قدر نفقة صاحبه ونحوه لابن فارس وقال ابن سيده النهد العون وطرح نهده مع القوم أعانهم وخارجهم وذلك يكون في الطعام والشراب وقيل فذكر قول الأزهري وقال عياض مثل الأزهري إلا أنه قيده بالسفر والخلط ولم يقيده بالعدد وقال ابن التين قال جماعة هو النفقة بالسوية في السفر وغيره والذي يظهر أن أصله في السفر وقد تتفق رفقة فيصنعونه في الحضر كما سيأتي في آخر الباب من فعل الأشعريين وأنه لا يتقيد بالتسوية إلا في القسمة وأما في الأكل فلا تسوية لاختلاف حال الآكلين وأحاديث الباب تشهد لكل ذلك.
          وقال ابن الأثير هو ما تخرجه الرفقة عند المناهدة إلى العدو وهو أن يقسموا نفقتهم بينهم بالسوية حتى لا يكون لأحدهم على الآخر فضل فزاده قيدًا آخر وهو سفر الغزو والمعروف أنه خلط الزاد في السفر مطلقًا وقد أشار إلى ذلك المصنف في الترجمة حيث قال ((يأكل هذا بعضًا وهذا بعضًا)) وقال القابسي هو طعام الصلح بين القبائل وهذا غير معروف فإن ثبت فلعله أصله وذكر محمد بن عبد الملك التاريخي أن أول من أحدث النهد حضين _بمهملة ثم معجمة مصغر_ الرقاشي قلت وهو بعيد لثبوته في زمن النبي صلعم وحضين لا صحبة له فإن ثبتت احتملت أوليته فيه في زمن مخصوص أو في فئة مخصوصة. /
          قوله (والعروض) _بضم أوله_ جمع عرض _بسكون الراء_ مقابل النقد وأما بفتحها فجميع أصناف المال وما عدا النقد يدخل فيه الطعام فهو من الخاص بعد العام ويدخل فيه الربويات ولكنه اغتفر في النهد لثبوت الدليل على جوازه واختلف العلماء في صحة الشركة كما سيأتي.
          قوله (وكيف قسمة ما يكال ويوزن) أي هل يجوز قسمته مجازفةً أو لا بد من الكيل في المكيل والوزن في الموزون وأشار إلى ذلك بقوله ((مجازفةً أو قبضةً قبضةً)) أي متساويةً.
          قوله (لما لم تر المسلمون بالنهد بأسًا) هو بكسر اللام وتخفيف الميم وكأنه أشار إلى أحاديث الباب وقد ورد الترغيب في ذلك وروى أبو عبيد في «الغريب» عن الحسن قال أخرجوا نهدكم فإنه أعظم للبركة وأحسن لأخلاقكم.
          قوله (وكذلك مجازفة الذهب والفضة) كأنه ألحق النقد بالعرض للجامع بينهما وهو المالية لكن إنما يتم ذلك في قسمة الذهب مع الفضة أما قسمة أحدهما خاصةً _حيث يقع الاشتراك في الاستحقاق_ فلا يجوز إجماعًا قاله ابن بطال وقال ابن المنير شرط مالك في منعه أن يكون مصكوكًا والتعامل فيه بالعدد فعلى هذا يجوز بيع ما عداه جزافًا ومقتضى الأصول منعه وظاهر كلام البخاري جوازه ويمكن أن يحتج له بحديث جابر في مال البحرين والجواب عن ذلك أن قسمة العطاء ليست على حقيقة القسمة لأنه غير مملوك للآخذين قبل التمييز والله أعلم.
          وقوله (والقران في التمر) يشير إلى حديث ابن عمر الماضي في المظالم وسيأتي أيضًا بعد بابين.