مصابيح الجامع

{هل أتى على الإنسان}

          ░░░76▒▒▒ (سورة {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ}).
          (وَهَلْ: تَكُونُ جَحْدًا): يعني: أنها يُراد بالاستفهام (1) بها: النفيُ، ولذلك دخلت على الخبر بعدها إلا في نحو: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [الرحمن:60].
          (وَهَلْ تَكُونُ خَبَرًا، وَهَذَا مِنَ الْخَبَرِ): يريد أنها تكون حيثُ لا استفهامَ أَلبتة (2)، فتدخل في كلام خبري، وغرضُه أنها تكون بمنزلة قد.
          قال سيبويه في باب: بيان (3) ((أَمْ)) لِمَ دخلت على حروف الاستفهام، ولم تدخل على الألف، ما نصُّه: نقول: أم (4) من تقول، أم هل تقول، ولا تقول: أم أَتقول، وذلك لأن ((أم)) بمنزلة الألف، وليست أي، ومن، وما، ومتى بمنزلة الألف، إنما هي أسماء بمنزلة هذا وذلك، إلا أنهم تركوا ألف الاستفهام؛ إذ (5) كان هذا النحو من الكلام لا يقع إلا في المسألة، فلما علموا أنه لا يكون إلا كذلك، استغنوا عن الألف، فكذلك (6) ((هل)) إنما تكون بمنزلة ((قد)) لكنهم تركوا الألف؛ إذ (7) كانت لا تقع إلا في الاستفهام.
          ووقع أيضًا في ((كتاب سيبويه)) في بعض أبواب الاشتغال، / في باب: ما يُختار فيه النصب، وليس قبله منصوبٌ بُني على الفعل، وهو (8) باب الاستفهام، ما نصه:
          وأما الألف، فتقديمُ الاسم فيها قبل الفعل جائز كلما جاز ذلك في هذا (9)؛ لأنها (10) حرف الاستفهام (11) الذي لا يزول (12) إلى (13) غيره، وليس للاستفهام في الأصل غيرُه، وإنما تركوا الألف في من، ومتى، وهل، ونحوِهِنَّ حيث أَمِنوا (14) الالتباسَ، ألا ترى أنك تُدخلها على من إذا تمت بصِلَتِها؛ كقول الله تعالى:{أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [فصلت:40].
          وتقول(15) : أم هل، فإنما هي بمنزلة قد، ولكنهم تركوا الألف استغناءً؛ إذ كان هذا الكلام لا يقع إلا في الاستفهام.
          فقد صرَّح سيبويه بأن هل بمنزلة قد، بل أتى بإنما المفيدة للحصر.
          وإنكارُ ابنِ هشام أن يكون (16) سيبويه (17) قالَ ذلك قصورٌ، وقد أوضحناه في «حاشية المغني».
          وقول البخاري: ((وهذا من الخبر))؛ يعني: أنها من (18) قوله تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} [الإنسان:1] بمعنى: قد (19)، وأن (20) الكلام خبرٌ عار عن الاستفهام، وبذلك فسره جماعة، منهم ابنُ عبَّاس ☺، والكسائيُّ، والفَرَّاءُ، والمبرِّدُ.
          قال (21) في «المقتضب»: هل للاستفهام؛ نحو: هل جاء زيد؟ وتكون بمنزلة قد، نحو قوله جل اسمه: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ}.
          قال ابنُ هشام: ولعلَّ ابن عباس إنما أراد: الاستفهامُ في الآية للتقرُّر (22)، وليس باستفهام (23) حقيقي، وقد صرح بذلك جماعةٌ من المفسرين (24)، قال بعضهم: هل هنا للاستفهام التَّقريري (25)، والمقرَّرُ به مَنْ أنكرَ البعث، وقد علم أنهم يقولون: نعم، قد مضى دهرٌ طويل لا إنسانَ (26) فيه، فيقال لهم: فالذي أحدثَ الناسَ بعدَ أن لم يكونوا كيف يمتنعُ (27) عليه إحياؤهم بعدَ موتهم، وهو معنى قوله: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ} [الواقعة:62]، فعلمون أنه (28) من أنشأ شيئًا بعدَ أن لم يكن قادرٌ على إعادته بعدَ عدمِهِ.


[1] في (د): ((الاستفهام)).
[2] في (ق): ((الاستفهام إليه)).
[3] في (د): ((وبيان)).
[4] في (ق): ((يقول أمام)).
[5] في (ق): ((إذا)).
[6] في (د) و(ج) و(ق): ((فلذلك)).
[7] في (د) و(ج) و(ق): ((إذا)).
[8] في (ج) زيادة: ((من)).
[9] في (د): ((هلا)).
[10] في (ق): ((أنها)).
[11] في (ق): ((استفهام)).
[12] في (ج): ((يؤول)).
[13] ((إلى)): ليست في (ق).
[14] في (ق): ((أمن)).
[15] في (ج): ((ونقول)).
[16] ((أن يكون)): ليست في (ق).
[17] من قوله: ((بأن هل... إلى... قوله: سيبويه)): ليس في (ج).
[18] في (ق): ((في)).
[19] ((قد)): ليست في (ق).
[20] في (ج) و(د): ((وأن كان)).
[21] في (ق): ((وقال)).
[22] في (ق): ((للتقرير)).
[23] في (ق) زيادة: ((ولعل ابن عباس إنما أراد أن الاستفهام في الآية للتقرير وليس باستفهام)).
[24] في (ق): ((المعتبرين)).
[25] في (ج) و(د): ((التقرري)).
[26] في (د): ((أسنان))، وفي (ق): ((الإنسان)).
[27] في (ق): ((تمنع)).
[28] في (ق): ((أن)).