مصابيح الجامع

كتاب التفسير

          ░░65▒▒ (كتابُ تفسِير القرآن).
          ({الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ} [الفاتحة:1]: اسْمَانِ مِنَ الرَّحْمَةِ) لكن في الرحمن من المبالغة ما ليس في الرحيم، وهذا معنى قولهم في كتب اللغة: أنَّ الرحمن أدقُّ من الرحيم.
          والحاصلُ: أن معنى الرحيم: ذو الرحمة، ومعنى الرحمن: كثيرُ الرحمة جدًا، واستدل على ذلك بالاستعمال حيث يقال: رحمن الدنيا والآخرة، ورحيم الدنيا.
          وبالقياس: حيث وقع في الرحمن زيادة على الحروف الأُصول فوقَ ما وقع في الرحيم، وأهل العربية يقولون: إن (1) الزيادة في البناء تفيد الزيادةَ (2) في المعنى.
          والنقصُ (3) بحَذِر بالنسبة إلى حاذر، يندفعُ بأن هذا الحكم أكثريٌّ لا كليٌّ، وبأن ما ذُكر لا ينافي أن يقعَ في البناء الأنقص زيادة معنى بسبب (4) آخرَ؛ كالإلحاق بالأمور الجبلِّيَّة؛ مثل: شَرِهٌ، ونَهِمٌ، وبأن ذلك فيما إذا كان اللفظان (5) المتلاقيان في الاشتقاق متَّحِدَي النوع في المعنى؛ كغوث وغوثان، وصَيدٍ (6) وصديان، لا كحَذرٍ وحاذرٍ؛ للاختلاف في المعنى.
          قلت: وهنا فائدة حسنة، وهي أن بعضَ المتأخرين كان يقول: إن صفات الله تعالى التي هي على صيغة (7) المبالغة؛ كغفار ورحيم وغفور، كلها مجازًا؛ إذ هي موضوعةٌ للمبالغة، ولا مبالغةَ فيها؛ لأن المبالغة هي أن تُثبت للشيء أكثرَ مما له، وصفات الله تعالى متناهيةٌ في الكمال، لا يمكن المبالغةُ فيها، وأيضًا فالمبالغةُ إنما تكون في / صفاتٍ تقبلُ الزيادةَ والنقصَ، وصفاتُ الله تعالى منزهة (8) عن ذلك.
          (الرَّحِيمُ وَالرَّاحِمُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ (9)، كَالْعَلِيمِ وَالْعَالِم) قد يقال عليه: إن الراحم اسمُ فاعلٍ، والرحيم إما صفة مشبهة، أو صيغة مبالغة، وكذا القول في العليم والعالم، فبينهما فرق، فليسا بمعنىً واحدٍ، وقد يجاب بما أسلفته آنفًا إذا تأملت.
          (وَ (10) سُمِّيَتْ أُمَّ الْكِتَابِ أَنَّهُ يُبْدَأُ بِكِتَابَتِهَا فِي الْمَصَاحِفِ، وَيُبْدَأُ بِقِرَاءَتِهَا فِي الصَّلَاةِ) قال السفاقسي: هذا التعليل مناسبٌ لتسميتها بفاتحة الكتاب، لا بأم الكتاب.
          وقد ذكر بعض المحققين: أن السببَ في تسميتها أمَّ الكتاب: اشتمالُها على كليات المعاني التي في القرآن من الثناء على الله تعالى، وهو ظاهر، و (11) من التعبُّد بالأمر والنهي، وهو في {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة:5]؛ لأن معنى العبادة: قيامُ العبد بما تُعُبِّدَ به وكُلِّفَهُ من امتثالِ الأوامر والنواهي.
          وفي {الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6] أيضًا و (12) من الوعد والوعيد، وهو في {الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة:7]، وفي {الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة:7]، وفي {يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4]؛ أي: الجزاء أيضًا.
          وإنما كانت الثلاثةُ أصولَ مقاصد القرآن؛ لأن الغرض الأصلي منه(13) : الإرشادُ إلى المعارف الإلهية، وما به نظامُ المعاش، ونجاة المعاد.
          والاعتراضُ بأن كثيرًا من السور كذلك، يندفع بعدم المساواة؛ لأنها فاتحةُ الكتابِ، وسابقة السور، وقد اقتصر مضمونها على كليات المعاني الثلاثة بالترتيب على وجه إجمالي؛ لأن أولها ثناءٌ، وأوسطها تعبُّدٌ، وآخرَهَا وعدٌ ووعيدٌ، ثم يصير ذلك مفصلًا في سائر السور (14)، فكانت منها بمنزلة مكةَ من سائر القرى على ما روي: من أنها مُهِّدَت أرضُها، ثم دُحِيَتِ الأرض من تحتها، فَتَسْتَأهِل أن تسمَّى: أُمَّ القرآن؛ كما سميت مكةُ: أُمَّ القرى، على أن وجهَ التسمية لا يلزم أن يَطَّرِد.


[1] في (ج) و(د): ((وإن)).
[2] في (ج): ((زيادة)).
[3] في (ق): ((والتعرض)).
[4] في (ج): ((لسبب)).
[5] ((اللفظان)): ليست في (ق).
[6] في (ق): ((كغرث وغرثان وصد)).
[7] في (م) و(ج) و(د): ((صفة)).
[8] في (ج): ((متنزه)).
[9] ((بمعنى واحد)): ليست في (ج) و(د).
[10] ((الواو)): ليست في (ج) و(د).
[11] ((الواو)): ليست في (ج) و(د).
[12] ((الواو)): ليست في (ج) و(م).
[13] ((منه)): ليست في (ج) و(م).
[14] في (ج): ((الصور)).