مصابيح الجامع

{حم} الزخرف

          ░░░43▒▒▒ (سورة الزخرف).
          ({وَقِيلِهِ يَارَبِّ} تفسيره: أيحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم ولا نسمع قيلهم) هذا يقتضي الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بجمل كثيرةٍ.
          قال الزركشيُّ: فينبغي حَملُ كلامه على أنه أراد تفسير المعنى، ويكون التقدير: ونعلم قيلَه.
          قلت: يرد عليه ما حكاه السفاقسي من إنكار بعضهم لهذا التفسير (1)، وقال: إنما يصح ذلك أن لو كانت التلاوة: وقيلَهم، والمعنى: إلا من شهد بالحقِّ، وقال: يا ربِّ إن هؤلاء قومٌ لا يؤمنون، على الإنكار.
          ({يَعْشُ}: يعمى): قال السفاقسي: يجب عليه أن تكون القراءة بفتح الشين.
          وهذا الذي قاله محكي عن أبي عبيدة، فإنه قال: من قرأ: {يَعْشُ} بضم الشين، فمعناه: أنه تُظْلِمُ عينهُ، ومن قرأ بفتحها، فمعناه: تعمى عينُه.
          يبقى في الآية بحث، وهو أن يقال: فيها نكتتان: / إحداهما: أن النكرة في سياق الشرط تَعُمُّ، وفيها اضطرابُ (2) الأصوليين، وإمامُ الحرمين يختار العمومَ، وإن (3) بعضَهم حمل كلامه على العموم البدلي، لا الاستغراقي (4)؛ كما مر لنا في هذا التعليق على ما أظنه، فإن كان مراده عمومَ الشمول، فالآية حجةٌ له من وجهين؛ لأنه نكَّر الشيطان، ولم يرد إلا الكل؛ لأن كلَّ إنسان له شيطان، فكيف بالعاشي عن ذكر الله؟
          والثاني: أنه (5) أعاد عليه الضمير مجموعاً في قوله: {وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ (6) } [الزخرف:37]، ولولا عمومُ الشمول لما جاز عَوْدُ ضميرِ الجمع (7) على واحد، فهذه نكتةٌ توجب للمخالفين سكتة، هكذا في «الانتصاف» لابن المنير ☼(8).
          قلت: في كل من الوجهين اللذين أبداهما نظر:
          أما الأول: فلا نسلِّم أنه أراد كلَّ شيطان، بل المقصودُ أنه قُيِّضَ لكلِّ فرد من العاشينَ عن ذِكِر الله شيطانٌ واحد، لا كل شيطان، وذلك واضحٌ.
          وأما الثاني: فعودُ ضمير الجماعة على شيءٍ ليس بينه وبين العموم الشُّمولي تلازمٌ بوجه، وعودُ الضمير في الآية بصيغة ضمير الجماعة إنما كان باعتبار تعدد الشياطين المفهومة ممَّا تقدم؛ إذ معناه _على ما قررنا_: أن كلَّ عاشٍ له شيطانٌ، فبهذا الاعتبار جاء التعددُ، فعاد الضَّمير كما يعود على الجماعة، فما هذه النكتة التي أوجبت سكتة المخالفين؟
          النكتة الثانية: أنَّ في الآية حجةً على من زعم أنَّ العود على معنى ((مَنْ)) يمنعُ من العود على لفظها، محتجاً بأنه إجمال بعدَ البيان، وقد عاد الضميرُ في هذه الآية على لفظ (9) ((مَنْ)) مرتين في قوله: {وَمَنْ يَعْشُ}، وقوله: {نُقَيِّضْ لَهُ} [الزخرف:36]، ثم على المعنى في قوله(10) : {لَيَصُدُّونَهُمْ}، ثم (11) على اللفظ في قوله(12) : {حَتَّى إِذَا جَاءَنَا} [الزخرف:38]، فإن كان مرادُ المانعِ المنعَ مطلقاً، وردت عليه هذه الآيةُ ونظائرُها، وإن كان (13) مرادُه تقييدَ (14) المنع بما إذا كان في جملة واحدة، فلا تَرِدُ مثلُ هذه عليه.
          ({يَصِدُّونَ}: يضجُّون) يريد على قراءة من قرأ: {يَصِدُّونَ} بكسر الصاد، وأما من قرأ: {يَصُدُّونَ} بالضم، فالمعنى عنده: يُعْرِضون.
          وقال الكسائي: هما لغتان بمعنًى، وأنكر بعضُهم الضم، وقال: لو لم يكن (15) مضموماً، لكان ((عنه))، ولم يكن ((منه)).
          وأجيب: بأن ((مِنْ)) تعليلية، فالضمُّ صحيح.


[1] ((التفسير)): ليست في (د).
[2] في (د): ((الاضطراب)).
[3] في (ق) زيادة: ((كان)).
[4] في (ق): ((استغراقها)).
[5] في (ق): ((والثاني إذا)).
[6] في (ج) و(د) زيادة: (({عن السبيل})).
[7] في (ج) و(د): ((عود الضمير على)).
[8] ((☼)): ليست في (د).
[9] في (ق): ((اللفظ)).
[10] من قوله: (({ومن يعش}... إلى...قوله: في قوله)): ليس في (ق).
[11] ((ثم)): ليست في (ج).
[12] من قوله: (({ومن يعش}... إلى... قوله: في قوله)): ليس في (د).
[13] من قوله: ((مراد المنع... إلى... قوله: كان)): ليس في (د).
[14] في (ق): ((يعيد)).
[15] ((يكن)): ليست في (د).