انتقاض الاعتراض

باب غسل المني وفركه

          ░64▒ (باب غسل المنيِّ وفركه)
          قال (ح): لم يخرِّج البخاري حديث الفرك، بل(1) اكتفى بالإشارة إليه(2).
          قال (ع)(3) : هذا اعتذار بارد؛ لأنَّ المقصود مِن التَّرجمة معرفة حديثها.
          ثمَّ(4) قال (ح): ليس بين حديث الغسل وحديث الفرك تعارضٌ؛ لأنَّ الجمع بينهما أن يحمل الغسل على التنظيف لا على الإيجاب، بدليل حديث الفرْك إن قلنا بطهارة المنيِّ، والغسل على التنظيف، والفرك على اليابس إن قلنا بنجاسته.
          قال (ع): مَن هذا الذي ادَّعى التعارض حتَّى يحتاج للجمع؟! وقوله: يحمل الغسل على التنظيف، كلام مَن لا يدري مراتب الشَّرع؛ لأنَّه أعلاها الوجوب، وأدناها الإباحة، ودليل الوجوب استمرار غسله صلعم الغسل مِن غير فرك، انتهى.
          واستمرَّ هكذا في التَّعصُّب والدَّفع بالصدر إلى أن(5) قال: فإنْ قال: سقوط الغسل في يابسه يدلُّ على طهارته.قلنا: لا نسلِّم، وإنَّما(6) جاز الفرك في اليابس منه على خلاف القياس.
          وقال في الجواب عن الحديث الَّذي أخرجه ابن خزيمة مِن طريق أخرى عن عائشة: «أنَّ النبيَّ صلعم كَانَتْ تَسْلِتُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِهِ بِعِرْقِ الْإِذْخِرِ، ثُمَّ يُصَلِّي فيه، وَتَحُكُّهُ(7) مِنْ ثَوْبِهِ يَابِسًا، ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ» ليس فيه(8) دليلٌ على الطَّهارة؛ بل يكون الفَرك يطهر الثوب، والمنيُّ نجسٌ في نفسه كما يصيب النَّعل مِن الأذى فيطهِّره ما بعده، أخرجه أبو داود مِن حديث أبي هريرة، والمراد مِن الأذى النَّجاسة.
          قلت: ويحتمل المستقذر ولا دلالة / على مُدْعاه.
          قال (ح): في رواية مسلم عن عائشة: لئِنْ كنتُ أفركه مِن ثوب رسول الله صلعم فركًا فيصلي فيه، وأصرح منه رواية ابن خزيمة أنَّها كانت تفركه مِن ثوب رسول الله صلعم وهو يصلِّي.
          هذا كلُّه صريحٌ في الرَّدِّ على مَن أجاب عن أحاديث الفرك؛ أنَّها لا حجَّة فيها؛ لأنَّها جاءت في ثوبٍ ينام فيه، ولم يأت في ثوب يصلِّي فيه، وهذا بحث الطَّحَّاوي وهو محجوج بما ذكرتُه.
          قال (ع) مجيبًا عَن رواية ابن خزيمة: بأنَّ قوله: وهو يصلِّي، جملة اسمية وقعت حالًا منتظرة، فيحتمل تخلُّل الغسل بين الفرك والصَّلاة.
                     تنبيه:
          ذكر(ح) الاختلاف في شيخ قتيبة في حديث عمرو بن ميمون عن سليمان بن يسار عن عائشة في غسل المنيِّ، فرجَّح المِزِّيُّ أنَّه يزيد بن زُريع، ورجَّح(9) القُطب أنَّه ابن هارون، قال: لأنَّه لم يوجد مِن رواية ابن زُريع، ووجد مِن رواية ابن هارون.
          قال (ح): لا يلزم مِن عدم الوجدان عدم الوجود، وقد جزم أبو مسعود بأنَّه رواه، فدلَّ على وجدانه.
          قال (ع): ورجَّح هذا القائل كلامه في كون يزيد بن زُريع، لا ابن هارون بشيئين لا ينهض كلامه بهما: أوَّلهما: بقوله: وقد أخرجه الإسماعيلي وغيره مِن حديث يزيد بن هارون بلفظٍ مخالفٍ للسياق الذي أورده البخاري، وهذا مِن مرجِّحات كونه ابن زُريع.
          قال (ع): قلت: هذا الَّذي قاله حجَّة عليه وردٌّ لكلامه؛ لأنَّ مخالفة لفظ مَن / روى هذا الحديث ليس(10) البخاري ليست بمرجِّحة لكون يزيد هو ابن زُريع مع صراحة ذكر ابن(11) هارون في الرِّوايات المذكورة.
          والثَّاني: أنَّ قتيبة معروف بالرِّواية عن يزيد بن زُريع دون ابن هارون، وهذا أيضًا حجَّةٌ عليه ومردودٌ عليه؛ لأنَّ كون قتيبة معروفًا بالرِّواية عن يزيد بن زُريع لا ينافي روايته عن ابن هارون بعد أنْ ثبت أنَّ قتيبة يروي عنهما جميعًا.
          ولقد غرَّه(12) ما قاله المِزِّي: الصَّحيح أنَّه يزيد بن زُريع، فإنَّ قتيبة مشهورٌ بالرِّواية عنه دون ابن هذا(13)، وكأنَّ قصد هذا القائل توهية كلام الشَّيخ قطب الدِّين، وهو أرجح كذا قال.
          قوله: سألت عائشة عن المنيِّ؟ فقالت: كنت أفركه.
          قال (ح): ليس في ذلك ما يقتضي إيجابه.
          قال (ع): الأمر المجرد عن القرائن يدلُّ على الوجوب.
          قلت: وأي قرينةٍ أقوى مِن الاكتفاء بفركه.


[1] في (س): «وإنما».
[2] قوله: « قال ( ح ): لم يخرج البخاري حديث الفرك، بل اكتفى بالإشارة إليه » ليس في (ظ).
[3] في (ظ) : «(ح)».
[4] قوله: ((قال (ع): هذا اعتذار بارد؛ لأنَّ المقصود من التّرجمة معرفة حديثها.ثم)) ليس في الأصل.
[5] قوله: ((أن)) ليس في الأصل.
[6] في (س):«إنما» بلا واو.
[7] في (س) و(ظ): «ويحته».
[8] قوله: «ليس فيه» ليس في (س).
[9] في (س): «رجح» بلا واو.
[10] في (س): «لسياق».
[11] قوله: «ابن» ليس في (س) و(ظ).
[12] في (س): «عزه».
[13] في (س): «هارون».