انتقاض الاعتراض

باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين

          ░34▒ (باب مَن لم يرَ الوضوء إلَّا مِن المخرجين لقوله الله تعالى: / {أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ} [النساء:43])
          قال (ع): نحن نسلم ذلك لكن دعواه الحصر على الخارج مردودةٌ.
          قلت: لم يدَّع الحصر وإنَّما فصَّل أسباب النَّقض(1) كما(2) سيتَّضح.
          قوله: {أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء} [النساء:43].
          قال (ح): هذا دليل الوضوء مِن الملامسة.
          قال (ع): الملامسة كنايةٌ عن الجماع، ثمَّ ذكر كلام مَن فسَّر الآية بذلك.
          قلت: هذا لا يردُّ على(ح)؛ لأنَّ (ع) يظنُّ أنَّ (ح) يوافق على ما تضمنته(3) الترجمة وليس كذلك؛ بل خالف(4) ظاهرها، وأيُّ(5) عبارةٍ غير صريحةٍ في المخالفة، وحاصل كلامه ليس في الجملة الأولى(6) حصرٌ بدليلِ الثانية، وإنَّما تضمنت الآية الأمر بالوضوء مِن الخارج ومِن الثَّلاثة.
          ثمَّ قال (ح): وفي معنى الأمر بالوضوء الخارج مِن المخرجين ومِن الثلاثة ثمَّ(7) مِن الملامسة مسُّ الذَّكَر.
          قال (ع): هذا أبعد مِن الأوَّل، فإنَّ الحديث وإن كان صحيحًا فلنا أحاديث تدفعه.
          قوله: وقال جابر بن عبد الله إذا ضحك في الصَّلاة أعاد الصَّلاة ولم يُعد الوضوء.
          قال (ح): قال ابن المُنيِّر: أجمعوا على أنَّ الضَّحك لا ينقض خارج الصَّلاة، واختلفوا إذا وقع فيها، فخالف مَن قال بالنَّقض القياس، وتمسَّكوا بحديث لا يصحُّ، وحاشى أصحاب رسول الله صلعم الَّذين هم خير القرون أن يضحكوا بين يدي الله خَلَف رسول الله صلعم، انتهى.
          على أنَّهم لم يأخذوا بعموم الخبر مع صحَّة الحديث المرويِّ / في الضِّحاك؛(8) بل خصُّوه بالقهقهة.
          قال (ع): هذا القائل أعجبه الكلام المشوب بالطَّعن على مَن قال بالنَّقض مِن الأئمَّة، فأقرَّه وفسادُهُ ظاهر؛ لأنَّ الأصل التمسُّك بالأمر، فمَن ترك القياس لأجل الأمر لا يُذمُّ.
          وقوله: إنَّه لا يصحُّ، غير مُسلَّم؛ لأنَّ الأحاديث وإن كان فيها وهْنًا إذا تعدَّلت(9) طرقها معًا صدر(10)، أيضًا ضعف الرَّاوي مِن المخالف لا يضرُّ مخالفه.
          وأمَّا قوله: فحاشى أصحاب(11) رسول الله صلعم(12)...إلى آخره(13)، فهو تشنيعٌ مردودٌ؛ لأنَّ مِن جملة مَن كان يصلِّي خلفه صلعم بعض المنافقين والأعراب الذين لم يتفقَّهوا في الدِّين، هذا مع كون الضَّحك في الصَّلاة ليس مِن الكبائر، سلَّمنا لكنَّهم غير معصومين.
          قال: وأمَّا قول (ح): لم يأخذوا بعموم الخبر المروي في الضَّحك...إلى آخره هو كلام مَن لا ذوق(14) له و(15) مِن دقائق التركيب، وكيف لم يأخذوا بمفهوم الخبر المرويِّ في الضَّحك، ولو لم يأخذوا ما قالوا: الضَّحك يفسد الصلاة، ولم يخصُّوه بالقهقهة، فإنَّ لفظ القهقهة ذُكر صريحًا في حديث ابن عمر، وجاء بلفظ القرقرة في حديث عِمْران بن حُصَين، والأحاديث تفسِّر(16) بعضها بعضًا.
          قلت: يكفي في التَّعقيب عليهم دعواه الشُّهرة في هذا الخبر، والواقع أنَّ التقييد فيه بالقهقهة قيدٌ غريبٌ، ومِن قواعدهم أيضًا: إبقاء العامِّ على عمومه، والعمل بكلِّ فرد سواء كان خاصًّا أو(17) عامًّا، ولم يقولوا به هنا.
          قوله: ويذكر عن جابر أنَّ / النَّبيَّ صلعم كان في غزوةٍ فرُمي رجل منهم فنزل الدَّم، فركع وسجد ومضى في صلاته.
          قال الكِرْمَاني: ذكره البخاري بصيغة التمريض؛ لأنَّه غير مجزوم به.
          وقال (ح): لم يجزم به؛ لكونه اختصره(18).
          قال (ع): هذا أبعد مِن تعليل الكِرْمَاني، فإنَّ الاختصار لا يستلزم أن يكون بصيغة التمريض(19).
          قلت: والصَّواب فيه أن يُقال: لأجل الاختلاف في محمَّد بن إسحاق.
          قلت: أخذ كلام (ح) فادَّعاه(20) أولًا، ثمَّ لمَّا(21) وصل إلى قوله: لم يجزم؛ لكونه مختصرًا ساقه(22) حذف بعض كلامه، واقتصر على ما ظنَّ أنَّه يتعقَّب، ولفظ (ح) إلى قوله: ويُذكر عن جابر...إلى آخره وصله ابن إسحاق في المغازي، فساق الكلام(23) الَّذي أورده (ح) إلى أن قال: وشيخه يعني: صدَقَة شيخ ابن إسحاق ثقةٌ، وعقيلٌ شيخ صَدَقة لا أعرف راويًا عنه غير صَدَقة، فلهذا لم يجزم به المصنِّف أو لكونه اختصره أو للخلاف في ابن إسحاق، انتهى.
          وإنكار (ع) أن يُراد مختصرًا يقتضي إيراده(24) بغير صيغة الجزم كلام مَن لا أُنس له بعلم الحديث، قد نصَّ عليه إمام الحديث في زمانه وهو شيخ هذا المنكر في كتابه الذي نكت به على نكت به(25) ابن الصلاح.
          قوله: ومضى في صلاته، قيل(26) : احتجَّ به مَن قال: أنَّ الدَّم لا ينقض الوضوء إذا خرج مِن غير السَّبيلين وإلَّا لفسدت صلاة الأنصاري لما نزفه الدَّم، فلو كان أحدث بذلك لم يجزْ له أن يركع ويسجد.
          إلى أن قال: وقال الخطَّابي: لست أدري كيف يصحُّ الاستدلال والدَّم إذا سال(27) أُصيب(28) البدن أو الثَّوب فلا تصحُّ(29) صلاته.
          قال (ح): ولو / لم يظهر الجواب عن كون الدَّم أصابه(30)، فالظَّاهر أنَّ البخاري كان يرى أنَّ خروج الدَّم في الصلاة لا يبطلها بدليل أنَّه ذكر عقب هذا الحديث أثَر الحسن: مازال المسلمون يصلُّون في جراحاتهم.
          قال (ع): هذا أعجب(31) وأبعد عن العقل، كيف يجوز أن يُنسب إلى البخاري هذا مِن غير دليل قوي؟! لأنَّه لا يلزم مِن الصلاة في الجراحات أن يكون الدَّم خارجًا؛ لأنَّ الجراحة(32) قد تكون مُعْصَبةً(33) ومربوطةً، ومع ذلك لو خرج شيء مِن الدَّم لا يفسد الصَّلاة إذا لم يكن يسيل، وقد أخرج ابن أبي شيبة بسندٍ صحيحٍ عن الحسن أنَّه كان لا يرى الوضوء مِن الدَّم إلَّا ما(34) كان سائلًا.
          قلت: احتجاجه بهذا نظير احتجاج غيره بنقض(35) الوضوء بالقهقهة مِن(36) أنَّ الخبر إنَّما صار(37) مشهورًا(38) ؛ لوروده في الضَّحك، وقد عاب لذلك، ليلزمه أن يرجع عن ذلك فأوَّل راض ستره مِن بسره(39).


[1] في الأصول: «النقص».
[2] قوله: «كما» ليس في (س).
[3] في(س): «تضمنه».
[4] قوله: «خالف» ليس في (س).
[5] في (د): «فأي».
[6] زاد في الأصل: ((ولي)) ولعه سبق قلم.
[7] قوله: ((الخارج من المخرجين ومن الثلاثة ثم)) زيادة من (س).
[8] في (د) و(س) و(ظ): «الضحك».
[9] في (د) و(س) و(ظ): «تعددت».
[10] قوله: «معًا صدر» في (س): «معاضد له».
[11] قوله: ((أصحاب)) ليس في الأصل.
[12] قوله: «صلعم» ليس في (ظ).
[13] قوله: «إلخ» ليس في (س).
[14] في (س): «فروق».
[15] زيادة من (س).
[16] في (س) : «تفسير».
[17] في (س) و(ظ): «أم».
[18] في (س) و(ظ): «اختصر».
[19] قوله: ((التمريض)) زيادة من (س).
[20] في (س) : «فأعاده».
[21] قوله: «لما» ليس في (س).
[22] في (س) : «ساقه مختصرًا».
[23] قوله: ((ولفظ (ح) إلى قوله: ويذكر عن جابر...إلخ وصله ابن إسحاق في المغازي، فساق الكلام)) زيادة من (س).
[24] في (ظ) : «إيراد».
[25] قوله: ((نكت به)) زيادة من (د).
[26] في (ظ) : «قبل».
[27] قوله: ((سال)) زيادة من (س).
[28] في (س) : «يصيب».
[29] في (ظ) : «يصح».
[30] قوله: ((أصابه)) زيادة من (س).
[31] في (س) : «عجب».
[32] في (س) : «الجرح».
[33] في (ظ) : «معصية».
[34] في (س) : «إن».
[35] في (س) و(ظ) : «ينقض».
[36] في (د) و(س) و(ظ): «مع».
[37] قوله: ((إنما صار)) زيادة من (د) و(س).
[38] في (س): «مشهور».
[39] في (د) و(س): «بسترها»، وفي (ظ): «يستره».