انتقاض الاعتراض

باب غسل المنيِّ وفركه وغسل ما يصيب مِن المرأة

          ░64▒ (باب غسل المنيِّ وفركه، وغسل ما يصيب مِن المرأة)
          قال (ح): لم يخرِّج البخاري حديث الفَرك؛ بل اكتفى بالإشارة إليه في الترجمة على عادته؛ لأنَّه ورد مِن حديث عائشة أيضًا، فالتَّقدير: باب بيان ما ورد في غسل المنيِّ وفركه، وهو حديثٌ واحدٌ اختلفت الألفاظ / روايةً(1) عن عائشة، والطَّريق المصرِّحة بالغسل أصحُّ مِن الطَّريق المصرِّحة بالفرك، ويؤيِّد ذلك الحديثَ الواردَ في غسل ما يُصيب المرأة، أي: يصيبُ الثَّوب أو الجسد، وسيأتي بعد ذلك في أثناء حديث «الماءُ مِن الماء».
          قال (ع): هذا اعتذارٌ باردٌ؛ لأنَّ الطريقة أنَّه إذا ترجم الباب بشيءٍ ينبغي أن يذكره.
          وقوله: بل اكتفى بالإشارة إليه كلامٌ واهٍ(2) ؛ لأنَّ المقصود مِن الترجمة معرفة حديثها وإلَّا فمجرَّد الترجمة لا يفيد شيئًا، واستمرَّ في هذه الدعوى، ويكفي في الدَّفع في كلامه سياقه مِن غير تكلُّف التعقُّب عليه، فإنَّه ما زاد على الرَّدِّ بالصَّدر ممَّن وجاء(3) بالإشارة، والله حسيبه.
          ثمَّ شرع في الانتصار لمذهبه في أنَّ المنيَّ نجسٌ، ومَن جملة إساءته(4) أنَّ قال: إنَّ الشَّارح أخذ كلامه مِن الخطَّابي وهو كلامٌ لا يذكره مَن له أدنى بصيرة وروية، فقال: وليس بين الحديث في غسل المنيِّ والحديث(5) في فركه تعارضٌ؛ لأنَّ الجمع بينهما واضحٌ على القول بطهارة المنيِّ بأن يحمل الغسل على الاستحباب للتنظيف لا على الوجوب، وهذه طريقة الشافعيِّ وأحمد وأصحاب الحديث، والجمع على القول بنجاسته واضحٌ أيضًا بأنْ يُحمل الغسل على ما كان رطبًا، والفَرك على ما كان يابسًا وهذه طريقة الكوفيين، والطَّريقة الأولى أرجح؛ لأنَّ فيها / العمل بالخبر والقياس معًا؛ لأنَّه لو كان نجسًا لكان القياس وجوب غسله دون الاكتفاء بفركه كالدَّم وغيره، وهم لا يكتفون فيما لا يُعفى عنه مِن الدَّم بالفرك.
          قال (ع): قوله: يُحمل الغسل على الاستحباب كلام واهٍ(6)، وهو كلام مَن لا يدري مراتب الأمر الوارد مِن الشَّارع(7).
          ثمَّ أخذ مِن الإكثار مِن جنس هذه الإساءة والدَّفع بالصَّدر.
          قال (ح): قال الطَّحَّاوي: يُجمع بأنَّ الثَّوب الذي فركَتْه ثوب النَّوم، والذي غسلَتْه ثوب الصَّلاة، وفيه نظر؛ لأنَّ لفظ عائشة عند مسلم في رواية: «لقد رأيتني أفركه مِن ثوب رسول الله فركًا فيصلي فيه»، وأصرح منه رواية ابن خُزَيمة: «إنَّما كانت تحكُّه مِن ثوبه وهو يصلي».
          قال (ع): ليس كما قال، فإنَّ قوله: «وهو يصلِّي» جملةٌ اسميَّةٌ وقعت حالًا منتظرة؛ لأنَّ عائشة ما كانت تحكُّ المنيَّ مِن ثوب النَّبيِّ صلعم حال كونه في الصَّلاة، انتهى.
          فتأمَّلوا في هذه(8) الدَّعوى!.


[1] في(س) و(ظ): «رواته».
[2] في(س): «واهي».
[3] في(س) و(ظ): «ممزوجًا».
[4] في(س): «أسبابه».
[5] في(س) و(ظ): «أو الحديث».
[6] في(س) و(ظ): «واهي».
[7] في(س): «الشارح».
[8] في(س): «هذا».