انتقاض الاعتراض

باب النهي عن الاستنجاء باليمين

          ░18▒ قال (ح) في الكلام على: (باب النهي عن الاستنجاء باليمين)
          عبَّر بالنَّهي إشارةً إلى أنَّه لم يظهر له هل هو للتحريم أو للتنزيه؟ أو لأنَّ القرينة الصارفة له عن التَّحريم لم تظهر له.
          قال (ع): هذا كلام فيه خَبْط؛ لأنَّ في الحديث: «وَإِذَا أَتَى الْخَلاَءَ فَلاَ(1) يَمَسَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ» فلا بدَّ مِن التعبير بالنهي، وأمَّا أنَّه للتَّحريم أو التَّنزيه فأمرٌ آخر.
          قلت: أراد الشَّارح الأمرَ الآخرَ فنبَّه على أنَّ السببَ في العدولِ عن الجزم بالحكم بأنْ يقول: باب تحريم الاستنجاء باليمين، أو كراهةُ الاستنجاء باليمين احتمال أنَّه لم يظهر له الحكم، فاقتصر على لفظ النَّهي الصَّالح لكلٍّ منهما، وقد ذكر الشَّارح اختلافَ العلماء في / الحكم المذكور، وأنَّ الجمهور على أنَّه للتنزيه، وأنَّ الظَّاهريَّة وبعض الشافعيَّة والحنابلة قالوا: إنَّه للتَّحريم.
          قال (ح)(2) :في الكلام على حديث الباب، وقد أبدى(3) الخطَّابي هنا بحثًا وبالغ في التبجُّح به، وحكى عن ابْن أبي عليِّ بن أبي هريرة: أنَّه ناظر رجلًا مِن فقهاء خراسان فيه فعجَز، ومحصِّله أنَّ المُسْتَجمِرَ مِن(4) مَن استجمر بيساره استلزم مسَّ ذكره بيمينه، ومتى أمسكه بيساره استلزم استجماره بيمينه، وكلاهما منهيٌ عنه.
          وأجاب الخطَّابي بأنَّه يقصد(5) الجدار ونحوه فيأمن مِن المحذور، فإن لم يتيسَّر فليُلصق مقدِّمته بالأرض ويمسك ما يستجمر به بين عقبيه ويستجمر بيساره، انتهى.
          وهذه هيئة منكرة؛ بل يتعذَّر فعلها غالبًا، وقد تعقَّبه الطَّيبي بأنَّ النهي عَن الاستنجاء باليمين مختصٌّ بالدُّبر، والنَّهي عن المسِّ مختصٌّ بالذَّكَر، قال: فبطل الإيراد مِن أصله كذا قال: وفيه(6) نظر؛ لأنَّه سلم الإيراد وادَّعى التَّخصيص والأصل عدمه، والمسُّ وإن كان يختص بالذَّكَر الذي يلحق به الدُّبر قياسًا، والتنصيص(7) على الذَّكَر لا مفهوم له بل فرْج المرأة كذلك، وإنَّما خصَّ الذِّكَرَ بالذَّكْرِ لكون المخصوص(8) غالبًا هم الرِّجال، والصَّواب في الصُّورة التي أوردها الخطَّابي ما قاله إمام الحرمين ومَن تبعه كالغزالي في «الوسيط» والبغَوي في «التهذيب» أنَّه يُمِرُّ العضو بيساره على شيء / يمسكه بيمينه، ويمينه(9) قارَّةٌ غير متحرِّكةٍ فلا يعدُّ مُستجمِرًا باليمين ولا ماسًّا ذكره بها؛ بل هو كمَن صبَّ بيمينه الماء على يساره حال الاستنجاء.
          قال (ع): قوله في الحديث: «ولا(10) يستنجي بيمينه» يرد على الطَّيبي دعواه الاختصاص، وقال بعضهم: الَّذي ذكره الخطَّابي هيئةٌ منكرةٌ، والصَّواب ما قاله إمام الحرمين دعوى فاسدة، فإنَّ الاستجمار بالجدار لا شناعة فيه، وتصويب ما قاله هؤلاء إنَّما يمشي في استجمار الذَّكَر، وأمَّا في الدُّبُر فلا.
          قلت: لم ينكر الشَّارحُ الاستجمارَ(11) بالجدار، إنَّما أنكر الهيئةَ المذكور بعده(12)، واعتراضه عليه الهيئة الَّتي ذكرها الغزاليُّ وغيره بأنَّها لا تتمشَّى(13) في استجمار الدُّبر لا يرِد عليهم؛ لأنَّهم إنَّما فرضوها في الذَّكَر كما فرضها الخطَّابي، والهيئة التي ذكروها لا إيراد عليها، وأمَّا الدُّبُر فلا يتأتَّى(14) معه الملازمة المذكورة، إذْ لا تحتاج(15) عند الاستجمار إلى إمساك بيمينٍ ولا يسارٍ؛ بل يستجمر بيده اليسرى فقط، ويصبُّ الماء بيمينه مِن آلةٍ كالإبريق أو غيرها، فينبغي للنَّاظر في كلام الشَّارح والمعترض إذا كان ينصف(16) بصفة المنْصف أن يُفصح بالحقِّ ويذكر المصيب مِن هذين، وأيَّ الفريقين أهْدى سبيلًا؟!


[1] في(س): «ولا».
[2] في(س): «ع».
[3] في(س): «أبنى».
[4] قوله: «من» ليس في (د) و(ظ).
[5] في (ظ) : «معضد».
[6] في(س): «فيه» بلا واو.
[7] قوله: «والأصل عدمه، والمس وإن كان يختص بالذكر الذي يلحق به الدُّبر قياسًا، والتنصيص» ليس في (س).
[8] في(س): «المخاطب».
[9] في(س): «وبيمينه».
[10] في (د): « فلا».
[11] في(س): «استجمار».
[12] في(س): «بعد».
[13] في(س): «يتمشى».
[14] في(س): «تتأتى».
[15] في(س): «يحتاج».
[16] في(س): «يتصف».