انتقاض الاعتراض

باب التهجد من الليل

          ░░19▒▒ (باب التَّهجُّد(1) مِن الليل)
          قال (ح) في الكلام على حديث ابن عباس في قيام الليل مِن رواية سفيان ابن عيينة عن سليمان بن مسلم عن طاوس عن ابن عباس في آخره، قال سفيان: وزاد عبد الكريم أبو آية(2) : هنا موصول بالإسناد الأول ووهم من زعم أنَّهُ معلَّق.
          وقد بين ذلك الحُميدي في «مسنده» قال: حدَّثنا سفيان حدَّثنا سليمان الأوَّل.قال ابن نَجيح: قال سمعت طاوسًا...فذكر الحديث إلى أنْ قال: قال سفيان: وزاد فيه عبد الكريم، ولا حول ولا قوة إلَّا بالله ولم ينقلها سليمان، انتهى.
          وكذلك أخرجه أبو نعيم في «مستخرجه» مِن طريق إسماعيل القاضي عن عليٍّ شيخ البُخاريِّ فيه فقال في آخره: قال سفيان: وكنت إذا قلت لعبد الكريم آخر حديث سليمان: وإذا لم يحيُّوك، قال: ولا حول ولا قوة إلا بالله.قال سفيان: وليس هو في حديث / سليمان، انتهى.
          ومقتضى ذلك أنَّ عبد الكريم لم يذكر إسناده في هذه الزيادة لكنَّه على الاحتمال، وأمَّا قول سفيان: فلم يقلها سليمان، فجعل عليَّ أنَّهُ لم يسمعها منه، ولا مِن عدم سماعه أن لا يكون حدَّث بها في نفس الأمر، وقد وهم بعض أصحاب سفيان فأدرجها في حديث سليمان، أخرجه الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن محمد بن عبد الله بن شهر(3) عن سفيان فذكر: لا حول ولا قوة إلَّا بالله في آخر الحديث بغير تفصيل، وليس لعبد الكريم أي أمه وهو ابن أبي المخارق في «صحيح البُخاريِّ» إلَّا هذا الموضع، ولم يقصد البُخاريُّ التخريج له فلأجل ذلك لا يعدُّونه في رجاله، وإنَّمَا بعد(4) وقعت عنه زيادة في الخبر غير مقصودة لذاتها كما تقدَّم منه(5) للمسعودي(6) في الاستسقاء، وكما(7) سيأتي نحوه للحسن بن عمارة في البيوع، وعلَّم الْمِزِّيُّ على هذا أوَّلًا(8) علامة التعليق، وليس بجيِّد؛ لأنَّ الرواية عنهم موصولة إلَّا أن البُخاريَّ لم يقصد التخريج عنهم.
          قال (ع): بين قوله: ولم(9) يقصد البُخاريُّ التخريج له...إلى آخره، وبين قوله: هذا موصول بالإسناد الأوَّل تناقض لا يخفى.
          قلت: لولا أنَّهُ خفي عليه لبيَّنه، ولا تناقض هنا؛ لأنَّهُ لا ملازمة بين موصول ومقصود، فإثبات كونه موصولًا لا ينفي كونه وقع عن غير قصد إليه، واحتجَّ (ع) بقول المقدسي في «رجال الصحيحين» أنَّ البُخاريَّ أخرج لعبد الكريم بن أبي المخارق في الحجِّ مِن روايته عن مجاهد عن ابن أبي ليلى عن عليٍّ في جلال البُدن، وكذا أخرج له مسلم.
          قال (ع): فهذا المقدسيُّ يصرِّح بأنَّ عبد الكريم مِن رجال البُخاريِّ، وفيه ردٌّ / لقول(10) (ح) أنَّهُ ليس له(11) في البُخاريِّ إلَّا هذا الموضع.
          قلت: الذي قاله المقدسي مردودٌ، فإنَّ رواية عبد الكريم هذه وقعت في الحجِّ مِن «صحيح البُخاريِّ» في بابين: أحدهما: باب يتصدَّق بجلود الهدي، فأخرج مِن طريق ابن جريج: أخبرني الحسن بن مسلم وعبد الكريم الجوزي أنَّ مجاهدًا أخبرهما...فذكر الحديث.
          ثانيهما: في باب: لا يعطي الجزار مِن الهدي شيئًا مِن طريق سفيان الثَّوري عن ابن أبي(12) نَجيح عن مجاهد بسنده...إلى آخر الحديث.
          قال سفيان: وحدَّثني عبد الكريم عن مجاهد بسنده، وذكر الحديث بمعناه ولم ينسب عبد الكريم، وقد أخرجه الإسماعيلي مِن طريق ابن عُلَيَّة عن سفيان الثَّوري فقال: عن عبد الكريم الجزري، وظهر وهمُ المقدسي حيث ظنَّ أنَّ عبد الكريم هنا هو ابن أبي المخارق، وإنَّمَا هو في الموضعين الجزري(13) الثِّقة.
          وأمَّا مسلم فإنَّهُ أخرج الحديث مِن طريق ابن جريج عن عبد الكريم.
          ومِن طريق سفيان بن عيينة عن عبد الكريم الجوزي عن مجاهد.
          ومِن طريق ابن(14) حقوة(15) عن عبد الكريم عن مجاهد ولم ينسبه، وفي سياقه ما يُؤخذ منه أنَّهُ الجزري، فهذا بيان واضح في أنَّ عبد الكريم إنَّمَا هو الجزري لا عبد الكريم بن أبي المخارق، والله أعلم.


[1] في (س): «المتهجد».
[2] في (د) و(س): «أمية».
[3] في (س): «سهر».
[4] قوله: ((بعد)) زيادة من (س).
[5] في (د): «مثله»، وفي (ظ): ((مسه)).
[6] قوله: ((للمسعودي)) ليس في(س).
[7] في س: «كما».
[8] في (د): «أو لا»، وفي (س): «ولا علامة».
[9] في (س): «لم» بلا واو.
[10] في (س) و(ظ): «لقول».
[11] قوله: ((له)) زيادة من (د) و(س) و(ظ).
[12] قوله: ((أبي)) زيادة من (س) و(ظ).
[13] في (د): «للجزري».
[14] في (س): «أبي».
[15] في(س): ((أبي حصوة)).