التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

حديث: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن.

          5578- قوله: (سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) يعني: ابن عوف، واسمه _فيما قال مالك_ كنيته، وقيل: اسمه عبد الله.
          قوله: (حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ) هو عبد الله بن وهب الفهري المصري.
          قوله صلعم : (لاَ يَزْنِي حِينَ يَزْنِي) أي: المؤمن أو الزاني أو الرجل. قال المالكي: فيه دلالة على جواز حذف الفاعل. فإن قلتَ: المؤمن بسبب المعصية لا يخرج عن الإيمان، قلتُ: المراد نفي كمال الإيمان، أي: لا يكون كاملًا في الإيمان حالة كونه في الزنا، أو هو من باب التغليظ والتشديد نحو: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}[آل عمران:97] وقال ابن عباس: ينزع منه نور الإيمان. وقال الخطابي: المراد مع فعل ذلك مستحلًا (1) له.
          قوله: (وَلاَ يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ) هذا الوعيد يدل على أنَّ شربها من الكبائر، وتصحيح مسلم مرفوعًا: ((كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ حَرَامٌ وَمَنْ شَرِبَ الخَمْرَ في الدُّنْيَا فَمَاتَ وَهُوَ مُدْمِنُهَا لَمْ يَتُبْ مِنْهَا لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الْآخِرَةِ)) وفي رواية: ((كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ)) قال ابن بطَّال: وإنَّما لم يخرجه البخاري في «صحيحه» لأنَّه يُروَى موقوفًا فلذلك تركه، وقد / يستند بقوله: ((لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الْآخِرَةِ)) على عدم دخوله الجنة.
          قوله: (وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ المَلِكِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ) أَي المَخْزُومِي (أَنَّ أَبَا بَكْرٍ) هو ابن عبد الملك (كَانَ يُلْحِقُ مَعَهُنَّ وَلاَ يَنْتَهِبُ نَهْبَةً) هي بفتح النون المصدر، وهو الانتهاب، أي: أخذ الجماعة الشيء على غير اعتدال إلا بما أنفق السابق إليه، وبالضم: المال المنهوب.
          قوله: (ذَاتَ شَرَفٍ) أي: مكان عالٍ، يعني: لا يأخذ الرجل مال الناس قهرًا أو ظلمًا ومكابرة وعيانًا وهم ينظرون إليه ويتضرَّعون ولا يقدرون على دفعه، وظاهر هذا أنَّ ذلك موقوف على أبي هريرة وليس هو من كلام النَّبي صلعم . وكأنَّ أبا بكر بن عبد الرَّحمن خصَّه بذلك لأنَّه ليس في رواية غيره، لكن جاء في رواية أخرى ما يدلُّ على أنَّه من كلام النَّبيِّ صلعم .
          و(ذَاتَ شَرَفٍ) قال القاضي: رويناه في «الصحيح» بالشين المعجمة، وفي غيره بالمهملة، وكسرها الحربي وفسَّرها بذات قدر، وقد قيَّده بعضهم في مسلم بالمهملة، وبها تُفسَّرُ أيضًا رواية المعجمة وكلاهما بمعنى، وقيل: ذات شرف، أي: يستشرف الناس إليها كما قال: يرفع الناس إليها أبصارهم، وهذا يحتمل الوجهين. قال القاضي عياض: وأشار بعض العلماء إلى أنَّ ما في هذا الحديث تنبيه على جميع أنواع المعاصي والتحذير منها، فنبَّه بالزنا على جميع أنواع الشهوات، وبالشرف على الرغبة في الدنيا والحرص على الحرام، وبالخمر على جميع ما يصدُّ عن الله تعالى ويوجب الغفلة عن حقوقه، وبالانتهاب الموصوف على الاستخفاف بعباد الله وترك توقيرهم والحياء منهم وجمع الدنيا من غير وجهها.


[1] في الأصل:((مستحالة)).