التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

حديث علي: بينا أنا جالس في أهلي حين متع النهار

          3094- قوله (1): (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ محمَّد الفَرْوِيُّ) والصَّواب إسحاق بن محمَّد، وسبق في باب قتال اليهود من كتاب الجهاد.(حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ محمَّد الفَرْوِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَن ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُوْلَ الله صلعم قال: تُقَاتِلُونَ اليَهُودَ) الحديث.
          وقد حدَّث البخاري عن محمَّد بن يحيى الذهلي عن إسحاق بن محمَّد هذا مقرونًا بعبد العزيز الأويسي في كتاب الصلح.
          قوله: (عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الحَدَثَانِ) بحاء مهملة ودال كذلك ومثلَّثة مفتوحات.
          قوله: (بَيْنَا أَنَا جَالِسٌ فِي أَهْلِي حِينَ مَتَعَ النَّهَارُ) هو بمثناة من فوق مفتوحة مخففة وعين مهملة، أي: صار عند قرب نصف النهار، قاله الدَّاودي.وقال يعقوب: علا.وقال غيره: طال.وقال صاحب «العين»: متع النهار متوعًا، وذلك قبل الزوال.وقيل متع النَّهار اشتدَّ حرُّه، وارتفع وعلا.وامتنع الشَّيء طالت مدته، وفِي الدعاء: أمتعني الله بك.
          قوله: (فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى عُمَرَ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى رِمَالِ سَرِيرٍ) هو بكسر الرَّاء وضمِّها وتخفيف الميم، قاله القاضي.و(الرِّمَال) ما ينسج من سعف النخل ونحوه ليضطجع عَلَيْه، ويُقَالُ رمل سريره وأرمله إذا رمل شريطًا أو غيره فجعله ظهرًا، وقيل رمال السرير ما مُدَّ على وجهه من خيوط وشريط ونحوهما، وقال الدَّاودي: هي السدد الَّتي تُعمَلُ من الجريد. /
          قوله: (فَقَالَ: يَا مَالِ) يريد يا مالك أنَّه قد تقدَّم علينا من قومك أهل أمانات، يريد قوم معهم أهلهم، وذلك في مال وجهان: ضم اللام وكسرها على الوجهين في الرخم، كما يُقَالُ في حارث: يا حار؛ فمن كسرها تركها على ما يأتي، ومن ضمَّها جعلها اسمًا مستقبلًا، وجاء بدل قوم قدم دَف وهو _بفتح الدَّال المهملة_ المشي بسرعة كأنَّهم جاؤوا مسرعين للضُّرِّ الَّذي نزل بهم.
          قوله: (وَقَدْ أَمَرْتُ فِيهِمْ بِرَضْخٍ) هو _بسكون الضَّاد المعجمة_ العطاء القليل، أي: أمرت فيهم بعطية؛ وهي العطيَّة القليلة غير المقدَّرة.
          قوله: (فَقلت: يَا أَمِيرَ المُؤْمنينَ لَوْ أَمَرْتَ بِهِ غَيْرِي) يخرج من قبول الأمانة وخطر القسمة.
          قوله: (أَتَاهُ حَاجِبُهُ يَرْفَا) بمثناة من تحت وراء مهملة ساكنة وفاء غير مهموز، ومنهم من يهمزه، وفي «سنن أبي داود»: تسميته الرَّفاء بألف ولام، ورأيت في «شرح ابن الملقِّن» قال: وفي «سنن البيهقي»: الرفأ (2) بألف ولام.
          قوله: (هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ) فيه حذف وتقديره يأذن له، وكذلك في قوله: (هل لك في علي؟ هل لك في عبَّاس؟)) أي: هل لك رغبة في دخولهم.
          قوله: (تَيْدَكُمْ) (3) بفتح المثناة من فوق وكسرها وسكون المثناة من تحت وفتح الدَّال المهملة وضمِّها، اسم فعل كرويدًا (4)، أي: اصبروا وامهلوا وعلى رسلكم، وقيل إنَّه مصدر تأد يتأد، أي: تيدوا تيدكم؛ كما يُقَالُ سيروا سيركم فترك همزه.والمشهور في هذا الفعل اتأد يتئد على وزن افتعل من التؤدة وهي السكون، وهو نصب على المصدر ومعناه اسكنوا.قال القاضي: (وتئدكم) بفتح التاء للقابسي، وعن الأصيلي: (تئدكم) بكسرها وهمز الياء.قال وكذا لأبي زيد.قال أبو زيد: وهي كلمة لهم.وعند بعض الرواة (تئدكم) برفع الدَّال المهملة، وعند أبي ذر (تئدكم) وأُسقِطَت اللَّفظة من رواية الجرجاني.
          قال لنا الأستاذ أبو القاسم النَّحوي: صوابه (يئدكم) اسم الفعل من اتَّأد، وحكاه عن أبي علي الفارسي.قال أبو علي: وأراه من التؤدة.وقد حكى سيبويه عن بعض العرب: تيد فلان بفتح الفاء.قال القاضي: والياء في تيدكم مسهلة من همزة، والتاء مبدلة من واو لأنَّه في الأصل واوي (5).
          وفي «كتاب مسلم»: ابتدءَا، لأنَّه خطاب لهما، وفيه ابتدأ، كأنَّه يخاطب أحدهما نطقًا، وفي البخاري: (اتَّئدوا) أراد جمع الحاضرين للقصة.انتهى.وقال في «النهاية»: أن تيدكم على رسلكم، وهو من التؤدة كأنَّه قال: الزموا تؤدتكم، يُقَالُ تأد تأدًا كأنَّه أراد أن يقول: تأدكم، فأبدل من الهمزة ياء؛ هكذا قاله أبو موسى، والَّذي جاء في «الصَّحيحين» أنَّ عمر قال: اتئدوا (6) / أنشدكم بالله.وهو أمر بالتؤدة الثاني، يُقَالُ اتَّأد في فعله وتوأد، أي: تأنَّى وتثبَّت ولم يعجل.واتَّئِد في أمرك، أي: تثبَّت، وأصل التَّاء فيها واو.انتهى.وفِي «المحكم»: تئدك كرويدك بمعنى: اتئد، اسم للفعل، وكان وصفه غير لكونه اسمًا للفعل لا فعلًا، والتاء مبدلة من الواو، كما كانت في التؤدة، والياء (7) بدل من الهمزة، قُلِبَتْ منها قلبًا بغير علَّة.
          قوله: (أنشُدُكُم اللهَ) أي: بالله، أي: أسألكم وأقسم عليكم مأخوذ من النشد وهو رفع الصَّوت، يُقَالُ رفعت نشيدي، أي: صوتي.وقال الدَّاودي: معناه اجعلوا الله شهيدًا بيني وبينكم أن تقولوا ما تعلمون.
          قوله: (إنَّ اللهَ قَدْ خَصَّ رَسُولَهُ) في هذا الفيء بشيء، أي: كلِّه كما هو مذهب الجمهور، أو جلِّه كما هو مذهب الشافعي، وقيل، أي: حيثُ حلَّت الغنيمة له ولَم تحلَّ لسائر النَّاس.
          قوله: (وَاللهِ مَا احْتَازَهَا دُونَكُمْ) هو بحاء مهملة وزاي من الحيازة.
          قوله: (فَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى عِيَالِهِ) نفقة سنتهم.إن قلت: كيف يجتمع هذا مع ما ثبت أنَّ درعه حين وفاته كانت مرهونة على شعير استدانه لأهله؟ قلت: كان يعزل مقدار نفقتهم منه ثمَّ ينفق من ذلك أيضًا في وجوه الخير حين انقضاء السَّنة عنهم، قاله الكرماني.قال الخطَّابي: قصَّة علي وعبَّاس الَّتي ترافعا فيها إلى عمر ☺ مشكلة جدًّا، وذلك أنَّهما إذا كانا قد أخذا هذه الصدقة من عمر على هذه الشريطة، واعترفا بأنَّه ◙ قال: ((لا نورث ما تركنا صدقة)) وقد شهد بذلك المهاجرون، فما الَّذي بدا لهما بعد حتَّى تخاصما؟ وأمثل ما قيل في ذلك ما قاله أبو دَاوُدَ أنَّهما لمَّا كان يشقُّ عليهما الشركة وأن لا يكون كل واحد منهما منفردًا بماله يعمل فيه ما يريد، طلبا القسمة ليشتدَّ كلُّ واحد منهما بالتدبير والتَّصرف فيما (8) يصير إليه، فمنعهما عمر من القسمة كيلا يجري عليهما اسم الملك، لأنَّ القسمة إنَّما تقع في الأملاك، وبتطاول الزَّمان يظن الملكية، وقال لهما: إن عجزتما فرداهما عليَّ.قال أبو داود: ولهذا لمَّا صارت الخلافة إلى عليٍّ ☺ لم يغيرها عن كونها صدقة.
          وفي الحديث جواز توكيل رجلين في عمل وأنَّ أحدهما لا ينفرد فيه بعمل دون الآخر، وقد زاد البرقاني في روايته من طريق معمر: فغلب عليٌّ عَلَيْها فكانت بيد علي، ثم بيد حسن بن علي، ثمَّ كانت بيد حسين، ثم كانت بيد علي بن الحسين، ثم كانت بيد الحسن بن الحسين، ثم كانت بيد زيد بن الحسين.قال معمر: ثمَّ بيد عبد الله بن الحسين، ثمَّ وليها بنو العبَّاس.
          تنبيهات تتعلَّق بما تقدَّم: أحدها: قال الخطَّابيُّ: احتجَّ بعض أهل العلم بحديث عليِّ في قصة الشارفين وما صنعه حمزة / ☺ على إبطال أحكام السَّكران، وقالوا: لو لزم السكران ما يكون منه في حال سكره كما يلزم الصَّاحي لكان المخاطب رسول الله صلعم بمثل ما استقبله به حمزة مباح الدم، وهذا القائل ذهب عَلَيْه أنَّ ذلك كان من حمزة قبل أن تُحَرَّمَ الخمر، فإنَّ القصة كانت قبل أحد، وتحريم الخمر بعد غزوة أُحد.قال جابر: اصطبح ناس الخمر يوم أحد، ثم قُتِلُوا آخر النهار شهداء.وزوال العقل بها حينئذ يلحق السكر بالجنون، وعبارة المجنون لا يترتب عَلَيْها حكم، وأمَّا بعد تحريمها فشربها معصية وما يتولَّد منها لازم ورُخَصُ الله تعالى لا تلحق العاصين؛ ولأجل ما ذكرناه لم يلزم الشَّارع بعقوبة فيما وقع من حمزة من الجفاء وعذره لتحليلها، وأمَّا بعد التَّحريم فيلزم السكران حدُّ الفرية وجميع الحدود، لأنَّ سبب زوال العقل حينئذ من فعل محرم عَلَيْه، وأمَّا ضمان الباقين فلازمٌ لحمزة لو طالبه عليٌّ به، ويُمكِنُ أنَّ الشَّارع عرضه (9) منهما، إذ العلماء لا يختلفون أنَّ إتلاف الأموال لا تسقط عن المجانين وغير المكلفين، ويلزم ضمانها في كلِّ حال كالعقلاء.ومَن شرب دواء مباحًا لحاجة فسكر فقذف غيره فهو كالمجنون والمغمى عَلَيْه والصبي يسقط عنهم حدُّ القذف وغيره، ولا يسقط عنهم إتلاف الأموال في سكر من حلال، فحكمه حكم هؤلاء، ولا يقع طلاقه لتولُّد جنونه من مباح، وحكى الطَّحاويُّ أنَّه إجماع من العلماء، وهو مذهب الشافعي، حتَّى من سكر مكرهًا وطلَّق لا يقع طلاقه.
          الثاني: قوله: (لاَ نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ) هو عند جميع الرواة بالنُّون كما قال القرطبي، يعني جماعة الأنبياء كما في الرِّواية الأخرى: ((نحن معاشر الأنبياء لا نورث)) و(صَدَقَةٌ) مرفوع على أنَّه خبر المبتدأ الَّذي هو ما (تَرَكْنَا) والكلام جملتان: الأولى: فعليَّة، والثانية اسمية، وقد صحَّفه بعض الشيعة بالياء.و(صَدَقَةٌ) بالنَّصب على الحال، والمعنى ما نترك صدقة لا نورث، وهو مخالف لسائر ما وقع في الرِّوايات، ولما حمله الصَّحابة عَلَيْه من قوله: ((فهو صدقة)) لأنَّهم يقولون إنَّه ◙ يُورِّثُ لغيره متمسكين بعموم الآية.
          الثالث: قوله صلعم : (مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي، وَمَئُونَةِ عَامِلِي صَدَقَةٌ) كان ابن عيينة يقول: أمَّهات المؤمنين في معنى المعتدَّات، لأنَّهنَّ لا يجوز لهنَّ النِّكاح أبدًا، فجرت عَلَيْهنَّ النَّفقة وتُرِكَتْ حجرهنَّ لهنَّ تسكنَّها، وأراد بمؤنة العامل من يلي بعده الأمر، وعن بعضهم أنَّ المراد بالعامل حافر قبره، ولعلَّه معترض بأنَّ أخذ الأجرة على حفر القبر لم يكن في عرفهم. /


[1] في الأصل: مكررة.
[2] في الأصل: غير واضحة.
[3] كذا صورتها في الأصل.
[4] في الأصل:((كرويد)).
[5] في الأصل: غير واضحة.
[6] في الأصل:((اتئد)).
[7] في الأصل:((والتاء)).
[8] في الأصل:((فما)).
[9] كذا صورتها في الأصل.