التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

باب كراهية التطاول على الرقيق وقوله: عبدي أو أمتي

          ░17▒ (باب كراهة التطأوَّل على الرقيق).
          التطاول: التجاوز عن الحد.
          قوله: (وَقَالَ النَّبِيُّ صلعم : قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ) يريد به: سعد بن معاذ، قال له ذلك حين جاءه في واقعة بني قريظة.
          2552- قوله: (لاَ يَقُلْ أَحَدُكُمْ: أَطْعِمْ رَبَّكَ وَضِّئْ رَبَّكَ، اسْقِ رَبَّكَ، وَلْيَقُلْ: سَيِّدِي ومَوْلاَيَ) السياق يقتضي أن يقال: سيدك ومولاك ليناسب: أطعم ربك، لكن الأوَّل خطاب للسادات، والثاني خطاب للمماليك، أي: لا يقول السيد للمملوك: أطعم ربك؛ إذ فيه نوع من التكبر، ولا يقول العبد أيضًا لفظًا يكون فيه نوع تعظيم له، بل يقول: أطعمت سيدي أو مولاي ونحوه.
          قوله: (وَلْيَقُلْ: فَتَايَ وَفَتَاتِي) الفتى: هو الشاب، والفتاة: الشابة، ولا يقال: ورد في القرآن: {إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ}[يوسف:23] و{اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ}[يوسف:42] ؛ لأنَّ ذاك شرع من قبلنا.
          فإن قلت: كما أنَّه لا رب حقيقة إلا الله كذلك لا سيد ولا مولى حقيقة إلا الله، فلم جاز هذا وامتنع ذاك؟
          أجاب الكرماني بأنّ الربيَّة الحقيقية مختصَّة بالله تعالى، بخلاف السيادة، فإنَّها ظاهرة في أن بعض الناس سادات على الآخرين، وأمَّا المولى؛ فقد جاء بمعاني بعضها لا يصحُّ إلا على المخلوق، وقال الخطابي: إنَّما لا يقال: أطعم ربك؛ لأنَّ الإنسان مربوب مأمور بإخلاص التوحيد لله، ويترك الاشتراك معه فكره له المضاهاة بالاسم، وأمَّا غيره من سائر الحيوان والجماد؛ فلا بأس بإطلاق هذا الاسم عليه عند الإضافة، كقولهم: رب الدار، ورب الدَّابَّة ولم يمنع العبد أن يقول: سيدي ومولاي؛ لأنَّ مرجع السيادة إذ بيده حسن التدبير لأموره، ولأن حاصل جميع معاني المولى راجع إلى ولاية الأمور، ولكن لا يقال: السيد / على الإطلاق، ولا المولى من غير إضافة، وهكذا المالك لا يقول: عبدي لما فيه من إيهام المضاهاة. وقال ابن بطَّال: يجوز أن يقول: عبدي وأمتي لقوله تعالى: {وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ}[النور:32]، وإنَّما نهى عنه على سبيل المغلطة (1) لا على سبيل التحريم، وكره ذلك لاشتراك اللفظ؛ إذ يقال: عبدالله وأمة الله، وأمَّا لفظة رب وإن كانت مشتركة وتقع على غير الخالق نحو: رب الدار، فإنَّها تختصُّ بالله تعالى في الغالب، فوجب أن لا يستعمل في المخلوق.
          قلت: ورد استعمال الرب في المخلوق من الشارع صلعم حيث قال في ضالة الإبل: ((حتَّى يلقاها ربها)) يعني: صاحبها. والله أعلم.


[1] في الأصل: بياض بمقدار كلمة.