التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد قبلي

          335- قَولُهُ: (حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ): هو ابن(1) بَشِير؛ بفتح الموحَّدة، وكسر الشِّين المعجمة، أبو معاوية السُّلَميُّ الواسطيُّ، حافظُ بغدادَ، عن عمرو بن دينار وأبي الزُّبير، وعنه: أحمدُ، وابنُ مَعِين، وهَنَّاد، إمامٌ ثقةٌ مدلِّسٌ، عاش ثمانين سنة، تُوُفِّيَ سنة ░183هـ▒، أخرج له الجماعة، له ترجمة في «الميزان».
          قَولُهُ: («ح»: وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ النَّضْرِ): أمَّا (ح)؛ فقد تقدَّم الكلام عليها في أوَّل هذا التَّعليق [خ¦6]، وأمَّا (النَّضر)؛ فهو بالضَّاد المعجمة، وهذا لا يشتبه بـ(نصر)؛ وسببه أنَّ (نصرًا) _بالصَّاد_ لا يأتي بالألف واللَّام، وإنَّما يأتي بهما (النَّضر)؛ بالمعجمة، وقد تقدَّم ذلك [خ¦152]، إلَّا أنَّه قد يكون يشتبه على بعضهم ممَّن لا يعرف ذلك.
          قَولُهُ: (أَخْبَرَنَا سَيَّارٌ): هو بفتح السِّين المهملة، ثُمَّ مثنَّاة تحت مشدَّدة، وهو سيَّار بن سَلَامة، أبو المِنْهال الرِّياحيُّ _بكسر الرَّاء، وبالمثنَّاة تحت_ البصريُّ، عن أبيه وأبي بَرْزة، وعنه: شعبة وحمَّاد بن سلمة، أخرج له الجماعة، وثَّقه ابنُ مَعِين والنَّسائيُّ.
          قَولُهُ: (حَدَّثَنَا يَزِيدُ الفَقِيرُ): هُوَ ابْنُ صُهَيْبٍ الكوفيُّ، عنِ ابنِ عُمرَ وجابرٍ، وعنه: أبو حنيفة، ومِسْعَر، وجماعةٌ، ثقةٌ، وإنَّما قيل له: الفقير؛ لأنَّه كان يشكو فقار ظهره، كنيته أبو عثمان، قال أبو حاتم: (صدوق)، وقال ابنُ مَعِين وغيرُه: (ثقة)، أخرج له الجماعة خلا التِّرمذيَّ.
          قَولُهُ: (أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي...)؛ فذَكَرَها، (أُعطِيتُ) و(لَمْ يُعطَهنَّ): مبنيَّان لما لَمْ يُسَمَّ فاعلهما، ثمَّ(2) اعلم أنَّه اجتمع لي من الأحاديث التي وقفت عليها في الكتب السِّتَّة أو بعضها أو «المسند» أو(3) غير ذلك أنَّه أُعطيَه عليه الصَّلاة والسَّلام ولم يُعطَه أحدٌ قبله: النَّصر بالرُّعب [مسيرة شهر؛ كما في «الصَّحيح» [خ¦335]، وفي حديث السَّائب ابن أخت نَمِر: «فُضِّلت على الأنبياء بخمس»؛ فذكر منها: «نصرت بالرُّعب مسيرة شهر أمامي وشهرٍ خلفي»](4)، ومفاتيح الأرض، وحلَّ الغنائم، والأرض مسجدًا وطهورًا، والشَّفاعة؛ يعني: العظمى، وجوامع الكَلِم، وتسميته أحمدَ، وأمَّته خير الأمم، وخُتِمَ به النَّبيُّون، والآيات من خواتيم سورة البقرة، والمفصَّل من القرآن، وجعل صفوف أمَّته كصفوف الملائكة، وفي «التِّرمذيِّ» في (التَّفسير): «فُضِّلت على الأنبياء بثلاث؛ بالصَّلوات الخمس، وغُفِر لمن لَمْ يُشْرك من أمَّتي المُقْحِماتُ»، وذكر خصلة هي مذكورة فيما تقدَّم، وقال: (حسن صحيح)، وفُضِّلَ أيضًا على النَّاس بأنَّ كلَّ نبيِّ سأل وهو صلعم أخَّر مسألته إلى يوم القيامة «فهي لكم ولمن شهد أن لا إله إلَّا الله»، فيَحتمل أن يكون تأخير المسألة، ويَحتمل أنْ تكون الشَّفاعة، فإن كانت الشَّفاعة؛ فقد تقدَّمتْ، وإِلَّا؛ فهي غير ما ذكرتُ، ويَحتمل أنْ يُعَدَّ(5) مع هذه الخصال استفتاح باب الجنَّة، فإنَّه أيضًا فُضِّل على النَّاس به، وسأذكرها في الشَّفاعات، [وفي «الشفا» لعياض: «وعُرِضَ عليَّ أمَّتي، فلم يخف عليَّ التَّابعُ من المتبوع»](6)، واعلم أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام فُضِّل على النَّاس بأشياء كثيرة، المذكور هنا نوعٌ منها.
          [قَولُهُ: (نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ): كذا في «الصَّحيح»، وروينا من حديث السَّائب ابن أخت نَمِر: «فُضِّلت على الأنبياء بخمس...»؛ فذكر منها: «ونُصِرْتُ بالرُّعب شهرًا أمامي وشهرًا خلفي».
          قَولُهُ: (مَسْجِدًا): هو بكسر الجيم وفتحها، تقدَّم]
(7) [خ¦219].
          قَولُهُ: (وَطَهُورًا): هو بفتح الطَّاء، والمراد: المُطَهِّر، ويجوز ضمُّها، وقد تقدَّم [خ¦4/2-235].
          قَولُهُ: (وَلَمْ تُحَلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي): هو مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، كذا في أصلنا، وفي نسخة أخرى: مبنيٌّ للفاعل.
          قَولُهُ: (وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ): هي الشَّفاعة العامَّة التي تكون في المحشر؛ لأن الشَّفاعة في الخاصَّة جُعِلت لغيره أيضًا، قال القاضي عياض: (وقيل: شفاعة لا تُردُّ)، قال: (وقد تكون شفاعة بخروج مَنْ في قلبه مثقال ذرَّةٍ من إيمانٍ من النَّار؛ لأنَّ الشَّفاعة لغيره إنَّما جاءت قبل هذه، وهذه مختصَّة به؛ كشفاعة المَحشَر)، انتهى.
          فائدة: للنَّبيِّ صلعم شفاعاتٌ:
          أولاهنَّ: الشَّفاعة العظمى، هذه التي تقدَّمت.
          والثَّانية: في جماعة يدخلون الجنَّة بغير حساب.
          والثَّالثة: في أناس قد استحقُّوا دخول النَّار، فلم يدخلوها(8).
          والرَّابعة: / في جماعة دخلوا النَّار، فيخرجون منها.
          والخامسة: في رفع درجات ناس في الجنَّة.
          والأولى من خصائصه، وكذا الثَّانية، قال النوويُّ في «الرَّوضة»: (ويجوز أنَّ تكون الثَّالثة والخامسة أيضًا) _يعني: تكونان من خصائصه، وما قاله في الثَّالثة قال القاضي عياض في «شرح مسلم» له كما نقله النَّوويُّ عنه: إنَّه يشاركه فيها من شاء الله، وكذا نقله عنه القرطبيُّ في «التَّذكرة»، انتهى_ أي(9): والرَّابعة يشاركه فيها غيره من الأنبياء والعلماء والأولياء، وقال عياض القاضي: (إنَّ شفاعته لإخراج من في قلبه مثقال حبَّة من إيمان مختصَّة به؛ إذ لَمْ تأت شفاعات لغيره إلَّا قبل هذه)، وقد قدَّمت ذلك عنه.
          والسَّادسة: تخفيف العذاب عن من استحقَّ الخلود فيها، كما في حقِّ أبي طالب.
          فإن قيل: فما الجمع بين هذا وبين قوله: «لعلَّه تنفعه شفاعتي»، و«لولا أنا؛ لكان في الدرك الأسفل من النَّار»، وكذا(10) قوله تَعَالَى: {فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ}[المدَّثر:48
          فجوابه(11): أنَّها شفاعة بالحال لا بالمقال، فبسببه صلعم يُخفَّف عنه، أو أنَّ قوله تَعَالَى: {فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} في الإخراج بالكليَّة، ذكر هذا القرطبيُّ.
          والسَّابعة: شفاعته لمن مات بالمدينة المشرَّفة؛ لما روى التِّرمذيُّ وصحَّحه عنِ ابن عُمر ☻: أنَّ النَّبيَّ صلعم قال: «من استطاع أنْ يموت بالمدينة؛ فليمت بها، فإنِّي أشفع لمَن مات بها».
          والثَّامنة: شفاعته لمن صبر على لَأْوَاء المدينة وجَهْدِها، وقد روى مُسْلِم من حديث أبي سعيد الخدريِّ وغيره مرفوعًا: «لا يثبتُ أحدٌ على لَأْوَائها(12) وجَهْدِها إلَّا كنت له شفيعًا أو شهيدًا يوم القيامة»، قال بعض أهل العلم: إنَّ(13) (أو) بمعنى: الواو، وجاء في رواية خارج الكتب من رواية ابن عمر: «كنت له شفيعًا، وكنت له شهيدًا»، وقد ذكروا في الكلام على: «كنت له شفيعًا أو شهيدًا» غيرَ ما ذكرت، والله أعلم؛ [منه ما قاله القاضي عياض في «شرح مسلم»: (قال بعض شيوخنا: «أو» هنا للشكِّ، والأظهر عندنا: أنَّها ليست للشَّكِّ؛ لأنَّ هذا الحديث رواه جَابِر بن عَبْد الله، وسعد بن أبي وقَّاص، وابن عمر، وأبو سعيد، وأبو هريرة، وأسماء بنت عميس، وصفيَّة بنت عبيد عنِ النَّبيِّ صلعم، ويبعد اتِّفاق جميعهم على الشَّكِّ) انتهى](14).
          وله صلعم شفاعة تاسعة: لفتح(15) باب الجنَّة، والشَّفاعة العظمى في الإراحة من كرب الموقف، وهما متغايرتان، وقد رواها مُسْلِم في «صحيحه» في (كتاب الإيمان) _بكسر الهمزة_ وهي: «فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيَقُولُونَ: يا أَبَانَا؛ اسْتَفْتِحْ لنا الجَنَّةَ...»؛ الحديث.
          وله صلعم شفاعة عاشرة: وهي عنِ ابن عُمر ☻: أنَّ رسول الله صلعم قال: «من زار قبري؛ وجبت له شفاعتي»، رواه ابن خزيمة في «صحيحه» من حديث موسى بن هلال العبديِّ، عن عبيد الله بن عُمر، عن نافع، عنِ ابن عُمر به، وقد ذكر الرَّافعيُّ في (الحجِّ): «من زار قبري؛ فله الجنَّة»، رواه الدَّارقطنيُّ من رواية ابن عمر بلفظ: «من زار قبري؛ وجبت له شفاعتي»، سكت عنه عبد الحقِّ، وتعقَّبه ابن القطَّان، لكن أخرجه ابن خزيمة في «صحيحه»، انتهى، قاله شيخنا(16) المؤلِّف في «تخريج أحاديث الرَّافعيِّ»، وعن ابن عمر(17) أيضًا قال: قال رسول الله صلعم «من جاءني زائرًا لَمْ تنزعه حاجة إلَّا زيارتي؛ كان حقًّا عليَّ أنْ أكون له شفيعًا يوم القيامة»، رواه ابن السَّكن في كتابه المُسمَّى بـ«الصِّحاح»، انتهى، ذكرهما _أعني: الأوَّل والثالث_ شيخنا المؤلِّف في «تخريج أحاديث المنهاج»، المُسمَّى بـ«التُّحفة».
          وله شفاعة حادية عشرة: وهي في إجابة المؤذِّن: «ثمَّ صلَّى عليه؛ حلَّت عليه شفاعتي»، [رواه عَبْد الله بن عمرو كما رواه مسلم، ورواه البخاريُّ من حديث جَابِر بن عَبْد الله](18) [خ¦614].
          وله صلعم شفاعاتٌ جاءت في أحاديث، وكلُّها داخل فيما تقدَّم من الشَّفاعات، أو غالبها داخل فيما تقدَّم، والله أعلم(19).


[1] (ابن): سقطت من (ج).
[2] (ثم): ليس في (ب).
[3] في (ب): (وغير).
[4] ما بين معقوفين سقط من (ج).
[5] في (ج): (تعد).
[6] ما بين معقوفين سقط من (ب) و(ج)، «الشفا» (ص218▒.
[7] ما بين معقوفين ليس في (ج).
[8] (فلم يدخلوها): سقطت من (ج).
[9] (أي): ليس في (ب).
[10] (وكذا): ليس في (ب).
[11] في (ب): (فجوابها).
[12] في (ج): (لأواء المدينة)، وهو مرويٌّ من غير هذه الطريق.
[13] (إنَّ): ليس في (ج).
[14] ما بين معقوفين ليس في (ج)، «إكمال المُعْلِم» ░4/482-483▒.
[15] في (ب): (يفتح).
[16] (شيخنا): ليس في (ب).
[17] في (أ): (وعنه).
[18] ما بين معقوفين سقط من (ب).
[19] من قوله: (وله صلعم شفاعة عاشرة) إلى هنا سقط من (ج)، وانظر الكلام على الشفاعات في «غاية السول» (ص263-265▒.