التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: لا تخيروني على موسى

          2411- قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَْعَةَ): تَقَدَّم أنَّ (قزَْعة) بفتح الزَّاي وإسكانها، وتَقَدَّم (ابْن شِهَابٍ): أنَّه مُحَمَّدُ بنُ مسلم الزُّهريُّ، وتَقَدَّم (أَبُو سَلَمَةَ): أنَّه عبدُ الله _وقيل: إسماعيل_ ابن عبد الرَّحمن بن عوف، وأنَّه أحدُ الفقهاء السَّبعة على قول الأكثر، وتَقَدَّم أنَّ (الأَعْرَج): عبدُ الرَّحمن بن هُرْمُز، وتَقَدَّم (أَبُو هُرَيْرَةَ): أنَّه عبدُ الرَّحمن بن صخرٍ، على الأصحِّ من نحو ثلاثين قولًا.
          قوله: (اسْتَبَّ رَجُلَانِ؛ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَرَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ): أمَّا المسلم؛ فهو من الأنصار، كما سيأتي في هذا «الصحيح» قريبًا جدًّا [خ¦2412]، ولا أعرف اسمه، وكذا اليهوديُّ لا أعرف اسمه، وقد ذكر ابن بشكوال في «مبهماته» من حديث أبي سعيد الخدريِّ(1): (بينما النَّبيُّ صلعم جالسٌ، إذ أتاه رجلٌ من اليهود فقال: يا أبا القاسم، ضَرَب في وجهي رجلٌ مِن أصحابك...)، الحديث، اللَّاطم: هو _إن شاء الله_ أبو بكر الصِّدِّيق، واليهوديُّ: فِنْحاص، ذكره ابن إسحاق، وقال: (فيه نزل: {لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء}... الآية[آل عمران:181])، والبَتُّ أنَّ هذه غيرُ تلك التي في «الصحيح»، والله أعلم، وقد جزم ابن شيخِنا البلقينيِّ بأنَّهما قضيَّتان، ولا شكَّ أنَّهما(2) قضيَّتان؛ لأنَّ التي في «الصحيح»: (رجلٌ من الأنصار)، ومِن جهة [أخرى: هذه في] موسى، وتلك في قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ}...، الآية، وأين هذه من تلك؟!
          قوله: (لَا تُخَيِّرُونِي عَلَى مُوسَى): الجواب عن هذا وعن حديث: «لا تخيِّروا بين الأنبياء»، وكذا حديث: «لا ينبغي لأحد أن يقول: أنا خيرٌ من يونس بن متَّى»: فيه خمس مقالات للنَّاس: الأولى: أنَّه نهى قبل أن يعلم أنَّه أفضلُهم، فلمَّا علم، قال: «أنا سيِّد ولد آدم، ولا فخر»، الثانية: أنَّه نهى عن تفضيلٍ يؤدِّي إلى الخصومة، كما في الحديث، ثالثها: أنَّه قال تواضعًا، ونفى الكِبْرَ والعُجْب، رابعها: أنَّه نهى عن تفضيلٍ يؤدِّي إلى تنقيص بعضهم؛ فإنَّه كفرٌ، الخامس: نهى عن التَّفضيل في نفس النُّبوَّة، لا في ذوات الأنبياء، وعموم رسالتهم، وزيادة خصائصهم، وقد قال الله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}[البقرة:253]، وقيل: معنى «لا تخيِّروا بين الأنبياء»: من غير(3) علم.
          [فائدة]: [تُعرَف فضيلة نبيٍّ على نبيٍّ بأحد ثلاثة أشياء: أن تكون آياتُه ومعجزاتُه أبهرَ وأشهرَ، أو تكون أمَّتُه أزكى وأكثرَ، أو يكون في ذاته أفضلُ وأطهر، قاله عياض في «الشفا»، والله أعلم](4).
          قوله: (فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ): قال ابن قُرقُول والقاضي عياض _واللَّفظ لابن قُرقُول_: («فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ»...) إلى أن قال: (يعني: يُغشَى على النَّاس؛ لأنَّه إنَّما يُفاق من الغَشْيِ ويُبعث من الموت، وأيضًا فإنَّ موسى ◙ مات بلا شكٍّ، وصعقة الطُّور لم تكن موتًا، بدليل قوله: {فَلَمَّا أَفَاقَ}[الأعراف:143]، وبدليل قوله: {فَفَزِعَ}[النمل:87]، ومرَّةً: {فَصَعِقَ}[الزمر:68]، وهذه الصَّعقة _والله أعلم_ في عرصة القيامة غيرُ نفخة الموت والحشر، وبعدهما عند تشقَّق الأرض والسَّماء)، انتهى، وهو كلامٌ حسنٌ، وأحسن منه ما يأتي عن المِزِّيِّ.
          وقال القاضي عياض في قوله: «أَكَانَ فِيمَنْ صَعِقَ، فَأَفَاقَ قَبْلِي أَوْ كَانَ مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللهُ؟»: (يحتمل أنَّه قاله قبل أن يعلم أنَّه أوَّل من تنشقُّ عنه الأرض على الإطلاق)، قال: (ويجوز أن يكون معناه: أنَّه من الزُّمرة الذين هم أوَّل من تنشقُّ عنهم الأرض، فيكون موسى من تلك الزُّمرة، وهم _والله أعلم_ زمرةُ الأنبياء عليهم الصَّلاة والسَّلام)، انتهى.
          والحديث الذي بعد هذا يُحمَل على ما قاله ابن قُرقُول والقاضي، وهو قوله: «لَا تُخَيِّرُوا بَيْنَ الأَنْبِيَاءِ، فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ، فَلَا أَدْرِي أَكَانَ فِيمَنْ صَعِقَ، أَوْ حُوسِبَ بِصَعْقَةِ الطُّور؟»، وكذلك الحديث الذي يأتي في (الأنبياء) في (وفاة موسى): «فأكون أوَّلَ من بُعِثَ» [خ¦3414]، وكذلك: «أم بُعِثَ قبلي؟» [خ¦3414].
          وقال ابن قيِّم الجوزيَّة في كتاب «الروح»: (فإن قيل: كيف تصنعون بقوله في الحديث الآخر: «إنَّ النَّاس يَصْعَقون يوم القيامة، فأكون أوَّلَ مَن تنشقُّ عنه الأرض، فأجد موسى باطشًا بقائمة العرش»؟
          قيل: لا ريب أنَّ هذا اللَّفظ قد ورد هكذا، ومنه نشأ الإشكال، ولكنه دخل فيه على الرَّاوي حديثٌ في حديثٍ، فركَّب بين اللَّفظين، فجاء هذا، والحديثان هكذا: أحدهما: «أنَّ النَّاس يَصعَقون يوم القيامة، فأكون أوَّلَ مَن يفيق»، والثاني هكذا: «أنا أوَّل من تنشقُّ عنه الأرض يوم القيامة»، ففي «التِّرمذيِّ» وغيره من حديث أبي سعيد الخدريِّ ☺: قال رسول الله صلعم: «أنا سيِّدُ ولد آدم يوم القيامة، ولا فخر، بيدي لواء الحمد، ولا فخر، وما من نبيٍّ يومئذٍ آدمَ فمَن دونه إلَّا تحت لوائي، وأنا أوَّل من تنشقُّ عنه الأرض، ولا فخر»، قال التِّرمذيُّ: «حديث(5) حسنٌ صحيحٌ»، فدخل على الراوي هذا الحديثُ في الآخَر، كان(6) شيخنا أبو الحجَّاج المِزِّيُّ يقول ذلك)، انتهى، وهو كلامٌ حسنٌ، والله أعلم.
          وذكر القرطبي في «تذكرته» في (باب في قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللهُ}[الزمر:68]) كلامًا فيه للنَّاس، فانظر ذلك، فإنَّه أيضًا كلامٌ مليحٌ مُطوَّل(7).
          قوله: (بَاطِشٌ): أي: آخذٌ(8).


[1] زيد في (ب): (☺).
[2] في (ب): (أيهما)، وهو تصحيفٌ.
[3] في (ب): (أي بغير).
[4] ما بين معقوفين جاء في (أ) في ورقة مفردة ░1/295▒.
[5] (حديث): ليس في (ب).
[6] في (ب): (قال)، وهو تحريفٌ.
[7] في (ب): (مطولًا)، ولا يصحُّ، وانظر «التذكرة» (ص174-179▒.
[8] هذه الفقرة سقطت من (ب).