التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

الأكل مما يليه

          ░3▒ قوله: (وَقَالَ أَنَسٌ: قَالَ النَّبِيُّ صلعم : اذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ وَلْيَأْكُلْ كُلُّ رَجُلٍ مِمَّا يَلِيهِ) هذا أخرجه ابن أبي حاتم في الأطعمة له، فقال: حَدَّثَنَا هدبة، حَدَّثَنَا مبارك، حَدَّثَنَا بُكير وثابت، عن أنس بن مالك _وأصله في <الصَّحيحين> سيأتي في الباب بعد_: أن خيَّاطًا دعا رسول الله لطعام صنعه، قال أنس: فرأيت رسول الله يتتبَّع الدُّبَّاء حوالي القصعة. حمل ابن التين الأول على ما إذا أكل مع غير خدمه وعمَّاله، وحمل الثاني على ما إذا أكل مع خدمه، وهو أنس والخيَّاط، فإنَّه كان أيضًا مولى رسول الله كما يأتي في باب الدُّبَّاء، وقد أجاز مالك أن يأكل الرجل في أهله وتجول يده في القصعة، وهكذا إذا كان الذي في الإناء شيئًا واحدًا، فإن كان أنواعًا فلا بأس أن يأكل ممَّا يلي غيره، وقد روى الترمذي عن عِكْراش قال: أكلت مع رسول الله صلعم فخبطت يدي في نواحي الصحفة، فقال: ((يا عكراش! كُلْ من موضع واحد فإنَّه طعام واحد)) قال: وأتينا بطبق / فيه ألوان من التمر، فجعلت آكل من بين يدي، وخالف رسول الله صلعم في الطَّبق، فقال: ((يا عكراش! كُلْ من حيث شئت فإنَّه غير لون واحد)) قال الترمذي: غريب تفرَّد به العلاء بن الفضل، وقال: لا يُعرَفُ لعكراش عن رسول الله صلعم سواه، وذكره (1) ابن المنذر في كتاب الأطعمة.
          واعلم أنَّ الشافعي نصَّ في «الأمِّ» والبويطي و«الرسالة» (2) على تحريم الأكل من غير ما يليه ومن رأس الطعام إذا كان عالمًا بالنهي. قال الخطابي: والنَّهيُّ عن الأكل من وسط القصعة والصَّحفة في حقِّ من يأكل معه غيره لأنَّ وجه الطعام أطيبه وألينه، فإذا قصده الإنسان بالأكل كان مستأثرًا على غيره، وإذا كان وحده فلا بأس.
          5381- قوله: (لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ اللَّهِ صلعم ضَعِيفًا أَعْرِفُ فِيهِ الجُوعَ) فيه رد لقول ابن حِبَّان أنَّه ◙ لم يجع قطُّ، وأنَّ الحجر الذي ربطه على بطنه إنَّما هو الحجز بالزاي، وأنَّه بالراء تصحيف، وحكى ابن عبد البرِّ أنَّ بعضهم استدلَّ بهذا على جواز شهادة الأعمى على الصوت بقوله: ((أعرف فيه الجوع)) وأجاب المخالف بأنَّ أبا طلحة تغيَّر عنده صوته مع علمه بصوته، ولولا رؤيته له لاشتبه عليه في حين سماعه منه وما عرفه.


[1] في الأصل:((وذكر)).
[2] كذا هي في الأصل.