التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

حديث: اعتمر النبي حيث ردوه ومن القابل عمرة الحديبية

          1779- 1780- قوله: (عَنْ قَتَادَةَ سَأَلْتُ أَنَسًا ☺ كَم اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صلعم قَالَ أَرْبَعٌ عُمْرَةُ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَعُمْرَةٌ مِن الْعَامِ الْمُقْبِلِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَعُمْرَةُ الْجِعِرَّانَةِ إِذْ قَسَمَ غَنِيمَةَ حُنَيْنٍ) قال ابن بطَّال: الصَّحيح أنَّه اعتمر ثلاثًا، والرابعة إنَّما تجوز نسبتها إليه لأنَّه أمر الناس بها، وعملت بحضرته، لا أنَّه اعتمرها بنفسه، أعني: مع حجه، وقد أنكر ابن عمر عن أنس قوله: إن النَّبي صلعم أهل بعمرة وحجة، وحديث مروان الأصفر المتضمن قوله صلعم لعلي ☺: لولا أن معي الهدي لأحللت، يدل على أنَّه كان مفردًا للحج لأنَّه اعتذر عن الفسخ بالهدي، ولو كان قارنًا لما اعتذر لاستحالة الفسخ على القارن، فكيف يجوز أن ينسب إلى رسول الله صلعم أنَّه اعتمر مع حجته إلا على معنى أنَّه أمر بذلك من لم يكن معه هدي؟ وهذا ممّا لا ريب فيه ولا شك، وفي أبي داود بإسناد على شرط الشيخين من حديث عائشة: أنَّ رسول الله صلعم اعتمر في شوال، وأخرجه مالك في «موطئه» أيضًا، قال الداوودي: يجوز أن يكون أحرم بها في شوال، وأتمها في ذي القعدة، فنظر أحدهما لوقت الإحرام، والآخر لوقت التحلل، وفي الدارقطني من حديثها: أنَّه صلعم اعتمر في رمضان، وهو غريب.
          وقوله: (أَرْبَعٌ) كذا هو بالرفع خبر مبتدأ مضمر، أي: عمره أربع، وسيأتي نصبه في الرواية الأخرى، وهو الوجه، وقال ابن مالك: يجوز الرفع اكتفاء في جواب الاستفهام بمطابقة المعنى دون اللفظ، والأقيس الأكثر النصب، ويجوز أن يكون من قال: أربع كتبه على لغة ربيعة، وهو في اللفظ منصوب، / ورواية النصب للهروي والأصيلي، وقال الزركشي: في قول أنس: إن العمر أربع نظر لأنَّ عمرة الحديبية لا تحسب لأنَّه ما دخل مكَّة، بل صد عنها وأحصر، وأمَّا التي مع حجته فمبني على أنَّه كان قارنًا في حجَّة الوداع، وفيه خلاف طويل، وقول البراء: اعتمر عمرتين أشبه، وصحح القاضي عياض: أن النَّبي صلعم حج مفردًا، وأنَّه اعتمر ثلاث عمر، واعتمد مالك في «الموطأ» على أنهن ثلاث عمر، قال النَّووي: وهذا القول ضعيف، بل باطل، والصواب: أنهن أربع عمر كما صرَّح به ابن عمر وأنس، وجزما الرواية به، فلا يجوز رد روايتهما بغير جازم، قال: وإنَّما اعتمر في ذي القعدة لفضيلته لأنَّه من الأشهر الحرم، ومخالفة للجاهلية في ذلك، فإنهم كانوا يرونها في الأشهر الحرم من أفجر الفجور، وفعلها صلعم مرات في هذا الشهر لتكون أبلغ في بيان جوازه فيها، وآكد في إبطَّال ما كانت الجاهلية عليه.