التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

باب في كم يقصر الصلاة؟

          ░4▒ (بابٌ: فِي كَمْ يَقْصُرُ الصَّلاَةَ)
          (وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ يَقْصُرَانِ، وَيُفْطِرَانِ فِي أَرْبَعَةِ بُرُدٍ وَهِيَ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا) أثر ابن عمر وابن عباس رَواهما البيهقي مِن حديث عطاء ابن أبي رباح ((أنَّ عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس كانا يصليان ركعتين ويفطران في أربعة برد فما فوق ذلك)) ورواه مِن طريق الشَّافعي وابن بُكير عن مالك عن نافع عن سالم ((أنَّ ابن عمر ركب إلى ذات النصب فقَصر الصلاة)).
          قال مالك: وبين ذات النُّصُب والمدينة أربعة برد، قال صاحب «المطالع»: البريد أربعة فراسخ، والفرسخ ثلاثة أميال، زاد ابن الأثير في «غريبه»: والميل أربعة آلاف ذراع، وذكر القَرَافي أنَّ الفرسخ فارسيٌّ معرَّب، والميل مِن الأرض منتهى مدِّ البصر، لأنَّ البصر يمتدُّ فيه على وجه الأرض حتَّى يعي (1) إدراكه، / وفيه سبعة مذاهب:
          إحداها: قاله صاحب «التنبيهات»: عشر غلوات، والغلوة طلق الفرس وهو مئتي ذراع، فيكون الميل ألفي ذراع، وذكر في «المغرب» أنَّ الغلوة ثلاثمئة ذراع إلى أربعمئة، وقال ابن الأثير: الغلوة قدر رمية سهم. الثاني: قال أبو عمر: أصحُّ ما فيه أنَّه ثلاثة آلاف ذراع وخمسمئة. الثَّالث: ثلاثة آلاف ذراع، نقله صاحب «البيان». الرابع: أربعة آلاف ذراع. الخامس: مد البصر، ذكره الجوهري. السادس: ألف خطوة بخطوة الجمل. السَّابع: أنَّ مسافته أن ينظر إلى الشَّخص فلا يعلم أذاهب هو أم آت، رجلٌ هو أو امرأة، وذكره ابن قدامة الحنبلي عن الأثرم، قيل لأبي عبد الله: في كم تقصر الصلاة؟ قال: مِن أربعة برد ستة عشر فرسخًا مسيرة يومين، والفرسخ ثلاثمئة، والميل كما قال القاضي: اثنا عشر ألف قدم وذلك يومان، والبريد أيضًا الرسول المستعمل، وذوات البريد دواب تعد (2) لهؤلاء الرسل، يُقال: أبرد إليه بريدًا، والبريد أيضًا الطريق، وهو عربيٌّ وافق عجميًا. قاله في «النهاية».
          قلت: وقد علم ممَّا تقدَّم أنَّ مسافة القصر أربعة برد، والبريد أربعة فراسخ، والفرسخ ثلاثة أميال، والميل ألف باع. والباع أربعة أذرع، والذراع أربع وعشرون إصبعًا، والإصبع ستُّ شعرات ظهر كلُّ شعيرة إلى بطن الأخرى، والشعيرة ستُّ شعرات مِن شعر البغل، والميل أربعة آلاف خطوة كلُّ خطوة ثلاثة أقدام، فذلك اثنا عشر ألف قدم وهو مرحلتان بسير الأثقال ودبيب الأقدام.
          وهل الضبط بما تقدم تحديد أو تقريب؟ والذي صحَّحه النووي في كتابه «الروضة» و«شرحه للمهذب» وهو المعروف في المذهب، وجزم به ابن الصباغ، والمتولي: أنَّه تحديد، ورجَّح _أعني النووي_ في مسائله المنثورة أنَّه تقريب، وعلى هذا قال ابن يونس في «شرح التنبيه»: لا يضرُّ نقصان الميل والميلين وتغير هذه المسافة في البحر كالبرِّ، وإن قطع الأميال في لحظة، وقد نظم بعضهم هذه المسافة فقال:
إنَّ البـــــــريد مِن الفــراســخ أربـــــع                     ولفرســخ ثلاث أميال ضـع
والميل ألف أي مِن البـــاعات قل                     والباع أربـع أذرع فتتـــــبع
ثمَّ الذراع مِن الأصابــــع أربــــــــع                     مِن بعدها عشرون ثمَّ الإصبع
ستٌّ شــعيرات فبطن شـــعيــــــرة                     منها إلى ظهرً لأخرى توضــــــــع
ثمَّ الشعيرة ستُّ شعــــراتٍ غدتْ                     مِن شــعر بـغــل ليس في ذا مدفــع
          قوله: في أوَّل الباب (وَسَمَّى النَّبِيُّ صلعم : السَّفرَ يَوْمًا وَلَيْلَةً) يشير بذلك إلى ما أخرجه / في الباب مِن الحديث الثالث مِن حديث أبي هريرة: (لاَ يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَيْسَ مَعَهَا حُرْمَةٌ).


[1] في الأصل:((يعني)).
[2] كذا في الأصل.