التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب فضل ليلة القدر

          قوله: (بَابُ فَضْلِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ): سأذكر قريبًا الاختلاف فيها [خ¦2023]، قال العلماء: سُمِّيت ليلةَ القدر؛ لما يكتُبُ فيها الملائكة من الأقدار والأرزاق والآجال التي تكون في تلك السَّنة؛ لقوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}[الدخان:4]، وقوله تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْر}[القدر:4]؛ ومعناه: يُظهِر للملائكة(1) ما سيكون فيها، ويأمرهم بفعل ما هو من وظيفتهم، وكلُّ ذلك ممَّا سبق في علم الله تعالى وتقديره له، وقيل: سُمِّيت ليلةَ القدر؛ لِعِظَم قدرها وشرفها.
          واعلم أنَّه يُستحبُّ لمَن رأى ليلة القدر أن يكتمَها، نقله النَّوويُّ في «شرح المُهذَّب» عن صاحب «الحاوي»، والحكمة في كتمانها: أنَّ رؤيتها كرامة، والكرامات كلُّها ينبغي كتمانها، أمَّا كونها كرامة؛ فلأنَّها أمر خارق للعادة، اختصَّ الله به بعض عباده من غير صنيع منه، وأمَّا في أنَّ الكرامات ينبغي كتمانها، فذلك ممَّا لا خلاف فيه بين أهل الطَّريق، بل لا يجوز إظهارها إلَّا لحاجة أو قصد صحيح، لما في إظهارها من الخطر؛ منها: رؤية النَّفس، ومنها: أنَّه قد يداخله في الإخبار بها رياء أو حظُّ نفس؛ فيُسلَب ما أنعم الله به عليه، وغير ذلك، قال النَّوويُّ في «شرح مسلم»: (ولا ينال فضلها إلَّا مَن أطلعه الله عليها، فلو قامها إنسان ولم يشعر بها؛ لم ينل فضلها)، انتهى، كذا نقله بعض العصريِّين عنه، ولفظه في «شرح مسلم» في (بَاب التَّرغيب في قيام رمضان، وهو التَّراويح): (قوله صلعم: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا؛ غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه» هذا مع الحديث المتقدِّم: «من قام رمضان»، قد يقال: إنَّ أحدهما يغني عن الآخر، وجوابه: أن يقال: قيام رمضان من غير موافقة ليلة القدر ومعرفتها سبب لغفران الذُّنوب، وقيام ليلة القدر لمن وافقها وعرفها سبب للغفران وإن لم يَقُم غيرها)، انتهى، وهو الذي نقله عنه بعض العصريِّين، ولكنْ أَوْضَحَ العبارةَ في المسألة، والله أعلم، لكن لفظ المُتولِّي: (يُستحبُّ التَّعبُّد في كلِّ ليالي العشر حتَّى يحوز(2) الفضيلة بيقين)، وكذا قول ابن مسعود: (إنَّها في جميع السَّنة) [خ¦762] فإنَّه أراد: ألَّا يتَّكل النَّاس؛ يردُّ ما قاله النَّوويُّ، نَعَم؛ قولُ عائشة ♦ له ╕: (أرأيتَ إن علمتُ أيَّ(3) ليلة ليلة القدرِ ما أقول؟) يشهد له، والله أعلم.


[1] في (ج): (الملائكة)، وهو تحريفٌ.
[2] في (ب): (يجوز)، وهو تصحيفٌ.
[3] في (ب): (أن)، وهو تحريفٌ.