مصابيح الجامع الصحيح

باب قول النبي: الدين النصيحة لله ولرسوله

          ░42▒ (باب: قول النَّبيِّ صلعم)
          قال الكرمانيُّ: (الدِّيْنُ النَّصِيْحَةُ) إلى آخره في محلِّ نصب بأنَّه مفعول القول.
          إشارة: الخطَّابيُّ: (النَّصِيْحَةُ) كلمة جامعة، ومعناها حيازة الحظِّ للمنصوح له، ويُقال: هو من وجيز الأسماء ومختصر الكلام، وليس في كلام العرب كلمة مفردة تُسْتَوفَى بها العبارة عن معنى هذه الكلمة كما قالوا في (الفلاح) ليس في كلامهم كلمة أجمع لخير الدّنيا والآخرة منه، وقيل: هي مأخوذة من نَصَح الرَّجل ثوبه إذا خاطه، فشبَّهوا فعل النَّاصح فيما يتحرَّاه من صلاح المنصوح له بما يسدُّه من خلل الثَّوب.
          وقيل: إنَّها مأخوذة من: (نصحتُ العسل، إذا صفَّيته من الشَّمع) شبَّهوا تخليص القول من الغشِّ بتخليص العسل من الخلط.
          ختم الكتاب (كتاب الإيمان) بهذا الباب إشارة إلى أنَّه قد بذل جهده في نصحك في هذا الكتاب، ومراد البخاريِّ بهذا الباب وقوع الدِّين على العمل، فإنَّه سمَّى النَّصيحة دينًا وإسلامًا.
          وبايعه على النًّصح لكلِّ مسلم كما بايعه على الصَّلاة والزَّكاة، فالنُّصح معتبر بعد الإسلام.
          وظنَّ ابن بطَّال أنَّ مقصوده الرَّدُّ على من زعم أنَّ الإسلام القول دون العمل، وهو ظاهر العكس؛ لأنَّه لمَّا بايعه على الإسلام؛ شرط عليه: (والنُّصح)، فلو دخل في الإسلام؛ لما استأنف.
          وقال الكرمانيُّ: إن قلت: الحديث لا يَدلُّ على التَّرجمة؛ قلتُ: يَدلُّ على بَعْضها المُسْتلزم للبعض الآخر، إذ النُّصح لأخيه المسلم، لكونه مسلمًا إنَّما هو فرع الإيمان بالله ورسوله.
          قوله: (وَعَامَّتِهِمْ) لم يكرِّر اللَّام لأنَّهم كالأتباع للأئمَّة لا استقلال لهم.
          تنبيه: قال ابن الملقِّن: ليس تميمٌ في «مسلمٍ» سواه، ولا أخرج البخاريُّ لتميمٍ شيئًا.
          وقال الكرمانيُّ: تميمٌ الدَّاريُّ ليس له في هذا الصَّحيح شيءٌ ولا في «مسلم» غير هذا الحديث، وهو من أفراد «مسلم» انتهى.
          وفي «البخاريِّ» في (الفرائض) ويذكر عن تميم الدَّاريِّ إلى أن قال: واختلفوا في صحَّة هذا الخبر، وهذا الحديث أخرجه التِّرمذيُّ في «جامعه»، وقال: إنَّه منقطع.
          وقال الخطَّابيُّ: ضعَّفه أحمد.
          واعلم أنَّ هذا الحديث _وهو الدِّين النَّصيحة_ رواه البخاريُّ معلَّقًا كما ترى، وأخرجه مسلمٌ مسندًا من حديث سُهيلٍ عن عطاء بن يزيد اللَّيثيِّ عن تميمٍ وعلَّقه البخاريُّ؛ لأنَّ سهيلًا ليس على شرطه، وقد أخرج له البخاريُّ مقرونًا، انتهى.
          وكذلك أخرجه أبو داود وأحمد وغيرهم من حديث تميم.
          قال شيخنا: وقد وقع لنا عاليًا في خبر الأنصاريِّ، وفي «مُسْند الدَّارميِّ» وفي الباب عن أبي هريرة وابن عمر وابن عبَّاس ═.
          إشارة: مَعْناه: عماد الدِّين وقوامه النَّصيحة كقوله: الحجُّ عرفة، وإنَّما استفضلت؛ لأنَّها من باب المضاف، فقال بَعد ولكتابه، فجعلها شائعةً في كلِّ سَهْم من سهام الدِّين وفي كلِّ طبقة من طباق أهله، فالنَّصيحة لله معناها الإيمان به ونفي الشِّرك عنه وترك الإلحاد في صفاته، ووصفه بصفات الكمال إلى غير ذلك.
          وحقيقة هذه الأوصاف راجعةٌ إلى العبد في نصيحة نفسه، فالله تعالى غنيٌّ عن نصح النَّاصحين وعن العالمين.
          و(لِكِتَابِهِ) الإيمان بأنَّه كلامه تعالى وتنزيله، لا يُشْبهه شيءٌ من كلام الخلق إلى غير ذلك، و(لِرَسُولِهِ) تصديقه في الرِّسالة وقبول ما جاء به إلى غير ذلك، و(الأئمَّة) بدل الطَّاعة لهم في المعروف، والصَّلاة خلفهم، وجهاد الكفَّار إلى غير ذلك، و(لِعَامَّةِ المُسْلِمِيْنَ) تعليمهم ما يجهلونه، وإرشادهم إلى مصالحهم، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، والسِّعة عليهم، وتوقير كبيرهم، ورحمة صغيرهم إلى غير ذلك.