مصابيح الجامع الصحيح

باب من قال: إن الإيمان هو العمل

          ░18▒ (باب من قال...) التَّرجمة
          لا يجوز في لفظ هذا الباب إلَّا الإضافة إلى مَا بعده.
          إن قلت: العمل إمَّا أن يراد به عمل القلب؛ أي: التَّصديق، فلا يطابقه الاستشهاد بقول العِدة؛ لأنَّه قول، أو عمل اللِّسان.
          أو يراد به عمل الجوارح أو عمل اللِّسان، أو مجموع الأعمال، فلا يناسبه الحديث، إذ الإيمان بالله فيه هو عمل القلب فقط بقرينة ذكر الجهاد والحجِّ بعده.
          قلتُ: المراد به المجموع والاستدلال عليه بمجموع الآثار والحديث، إذ يدلُّ كلُّ واحد من القرآن والسُّنَّة على بعض الدَّعوى، بحيث يدلُّ الكلُّ على الكلِّ.
          قوله: (أورثتموها) إن قلت: معنى الإيراث إبقاء المال بعد الموت، وحقيقته ممتنعة على الله تعالى، فما مَعْنى الإيراث ههنا؟
          قلتُ: إمَّا أن يكون الموروث هو الكافر؛ يعني: لولا كفره؛ لكان له نصيب منهَا، فانتقل منه بسبب كفره الَّذي هو موت الأرواح إلى المؤمن.
          وإمَّا أن يكون هو الله، فهو مجاز عن الإعطاء على سبيل التَّشبيه لهذا الإعطاء بالإيراث.
          أو عن مجرَّد الإبقاء على طريقة إطلاق الكلِّ وإرادة الجزاء، انتهى كلام الكرمانيِّ.
          وقال غيره: معنى الإرث في الآية صيرورتها لهم.
          قوله: (بِمَا كُنْتُم) (ما) إمَّا مصدريَّة، أو موصولة، فمعناه: بعلمكم، أو (بالَّذي)، والباء هنا للملابسة، / ليست للسَّببيَّة؛ أي: إنَّما أورثتموها ملابسةً لأعمالكم؛ أي: لثواب أعمالكم، أو للمقابلة، نحو: أعطيت الشَّاة بالدَّرهم.
          أو أنَّ الجنَّة في تلك الجنَّة جنَّة خاصَّة؛ أي: تلك الخاصَّة الرَّفيعة العالية، بسبب الأعمال.
          وأمَّا أصل الدُّخول؛ فب⌂ لا بالعمل.
          وملخَصه أنَّ أصل الجنَّة بالفضل، والدَّرجات بالأعمال، أو أنَّ الدُّخول ليس بالعمل والإدخال المستفاد من الإيراث بالعمل.
          وقال النَّوويُّ ⌂: إنَّ دخول الجنَّة بسبب العمل، والعمل برحمة الله تعالى، أقول: المقدِّمة الأولى خلاف صريح الحديث، فلا يُلتَفَتُ إليها.
          قيد هذا
          قوله: {فَلْيَعْمَلِ العَامِلُوْنَ} [الصَّافَّات:61]؛ أي: لمثل هذا الفور العظيم فليؤمن الكافرون، فأطلق العلم وأراد الإيمان.
          وقال بعضهم: النَّفي في الحديث دخولها بالعمل المجرَّد عن القبول والمثبت في الآية دخولها بالعمل المتقبَّل، والقبول إنَّما يحصل برحمة الله تعالى، فلم يحصل الدُّخول إلَّا برحمة الله تعالى.