مصابيح الجامع الصحيح

باب إفشاء السلام من الإسلام

          ░20▒ (باب: السَّلام من الإسلام)
          هو برفع (السَّلام)
          قوله: (وقال عمَّار) قال النَّوويُّ: هذه الَّتي ذكرها عمَّار ورويناهَا في شرح السُنَّة للبغويِّ بوقوعه عن عمَّار عن رسول الله صلعم.
          قال الكرمانيُّ: يُعَدُّ سَهْو منه، إذ عبارة شرح السُّنَّة بعينه عبارة الصَّحيح، انتهى.
          ورأيتُ بخطِّ والدي ⌂: رواه أيضًا الخرائطي في «مكارم الأخلاق» مرفوعًا، انتهى.
          وفي كلام ابن الملقِّن: رواه البغويُّ في «شرح السُّنَّة» عن عمَّار مرفوعًا.
          إشارة: قال الكرمانيُّ: عمَّار بن ياسر أوَّل من بنى مسجدًا لله في الإسلام في مسجد قباء، انتهى.
          فائدة: فما رواه عمَّار أنَّ نفقة المعسر على أهله أعظم أجرًا من نفقة الموسر.
          قوله: (العَالَم) العالم اسم جمع لا مفردَ له، كالأنام، واشتقاقه من العلم أو العلامة، ومدلوله كلُّ ذي روح، وقيل: النَّاس، وقيل: الإنس والجنُّ والملائكة، قيل: والشَّياطين أيضًا، وقيل: الثَّقلان، وقيل: بنو آدم، وقيل: كلُّ مصنوع، وجمعه شاذٌّ؛ لأنَّه اسم جمع كما بيَّنَّا، وجمعه بالواو والنُّون أشدُّ للإخلال ببعض الشُروط.
          قال أبو حيَّان: والَّذي أختاره أنَّه يَنْطبق على المكلَّفين؛ لقوله تعالى: {إِنَّ فِيْ ذَلِكَ لَآيَاتِ لِلْعَالِمِيْنَ} [الرُّوم:22]، وقراءة حفص بكسر اللَّام توضح ذلك.
          إن قلت: الحديث بعينه تقدَّم وكان يكفيه أن يقول: ثمَّة أو ههنا باب الإطعام والسَّلام من الإسلام بأن يدخلهما في سلك واحد، وتمَّ المطلوب.
          قلتُ: لعلَّ عمرو بن خالد ذكره في مَعْرض بيان أنَّ الإطعام منه، وقتيبة في بيان أنَّ السَّلام منه، فلذلك ميَّزها مُضيفًا إلى كلِّ راوٍ ما قَصَدَه في روايته، انتهى كلام الكرمانيِّ.
          وقال شيخنا: إنَّما فعل ذلك مراعاةً للإتيان بالفائدة الإسناديَّة، وهي تكثير الطُّرق حيث يحتاج إلى إعادة المتن، فإنَّه لا يعيد الحديث الواحد في موضعين على صورة واحدة.
          وإجابة الكرمانيَّ: ما تقدَّم ثمَّ قال بعد ذكر جوابه، وهذا ليس بطائل؛ لأنَّه متوقِّف على ثبوت وجود تصنيف مبوب لكلٍّ مِن شيخيه والأصلُ عَدَمُه، ولأنَّ من اعتنى بترجمة كلٍّ مِن قتيبة وعمرو بن خالد لم يذكر أنَّ لواحدٍ منهما تصنيفًا على الأبواب، ولأنَّه يلزم منه أنَّ البخاريَّ يقلِّد في التَّراجم، والمَعْروف الشَّائع عنده أنَّه هو الَّذي يَسْتنبط الأحكام من الأحاديث ويترجم بها، ويتفنن في ذلك بما لا يدركه فيه غيره، ولأنَّه يبقى السُّؤال بحاله، إذ لا يمنع معه أن يجمعهما المصنِّف، ولو كان سمعهما مفرَّقين، والظَّاهر مِن صنيع البخاريِّ أنَّه قصد تعديد شعب الإيمان، فخصَّ كلَّ شعبة بباب تنويهاً بذكرها، وقصد التَّنويه محتاج إلى التَّأكيد، فلذلك غاير بين التَّرجمتين. /
          خاتمة:
          هذه الكلمات جامعة لخصال الإيمان كلِّها؛ لأنَّها إمَّا ماليَّة أو بدنيَّة، والإنفاق إشارة إلى الماليَّة المتضمِّنة للوثوق بالله والزَّهادة في الدُّنيا، إمَّا مع الله أو التَّعظيم لأمر الله وهو الإنصاف، أو مع النَّاس؛ أي: الشَّفقة على خلق الله، وهو بذل السَّلام.