مصابيح الجامع الصحيح

باب قول النبي: بني الإسلام على خمس

          ░1▒ قوله: (وَهُوَ قَوْلٌ وَفِعْلٌ وَعَمَلٌ) إن قلت: هو اعتقاد بالقلب بل الاعتقاد بالقلب هو الأصل، فلمَ لم يذكره؟
          قلتُ: لا نزاع في أنَّ الاعتقاد لا بدَّ منه، والبحث في أنَّ القول باللِّسان والفعل بالجوارح، هل هما منه أم لا؟ فلذلك ذكر ما هو المتنازع فيه، أو تقول: الفعل أعمُّ من فعل الجوارح، فتناول فعل القلب لكنَّه يتوجَّه حينئذٍ أن يقال: فلا حاجة إلى ذكر القول؛ لأنَّه فعل اللِّسان.
          إشارة: قوله: (وَهُوَ) الضَّمير راجع للإيمان أو الإسلام، إن قلنا أنَّهما بمعنى واحد، وإليه ميل البخاريِّ.
          التَّيميُّ: ضمير (هُوَ) راجع إلى الإيمان.
          قوله: (تَسْلِيْمًا) يُعلَم منه أنَّ التَّسليم خارج عن حقيقة الإيمان؛ لأنَّ المعطوف عليه مغاير للمعطوف. /
          قولهُ: (الحُبُّ فِي اللهِ) (الحبُّ) مبتدأ، و(مِنَ الإِيمَان) خبره، ويُحتمَل أن تكون الجملة عطفًا على ما أضاف إليه الباب، فتدخل في ترجمة الباب، كأنَّه قال: (باب، والحبُّ في الله من الإيمان) وأن لا يكون بل ذُكِرَ لبيان إمكان الزِّيادة والنُّقصان، كذكر الآيات، وعلى التَّقديرين يحتمل أن يُقصد به الحديث النُّبويُّ، وقد ذُكِرَ على سبيل التَعليق، وأن يكون كلام البخاريِّ كقوله: وهو قولٌ وفعلٌ، (فِي) هنا للسَّببيَّة؛ أي: بسبب طاعة الله تعالى ومعصيته، كقوله في النفس المؤمن مئةٌ من الإبلِ.
          وقوله: (دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ) فيها واصلٌ في الظَّرفيَّة.
          قولُه: (عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيْزِ) قال يوسف بن ماهك: بينما نحن نُوار التُّراب على قبره؛ سقط علينا ورقٌ من السَّماء مكتوبٌ فيه: (بسم الله الرَّحمن الرَّحيم، أمانٌ من اللهِ لعمر بن عبد العزيز من النَّار).
          قوله: (إِنَّ لِلْإيِمَانِ) بالكسر على الحكاية.
          قوله: (فَرَائِضَ وَشَرَائِعَ وَحُدُودًا وَسُنَنًا) (الفرائض) الصَّلاة والزَّكاة ونحوها، و(الشَّرائع) كالتَّوجُّه إلى القبلة وصفات الصَّلاة وعدد شهر رمضان وعدد جلد القاذف وعدد الطَّلاق إلى غير ذلك، و(حدودًا) أي: منهيَّاتٌ ممنوعةٌ، وقال والدي ⌂: هو جمع حدٍّ، وهو المنع؛ أي: ممنوعات الإيمان، وهذا هو الظَّاهر لعطفه الحدود على (فرائض) إلى آخر كلامه، و(السُّنن) ما أمر به الشَّارع من فضائل الأعمال، فمتى أتى بالفرائض والسُّنن وعرف الشَّرائع؛ فهو مؤمنٌ كاملٌ.
          وقال الكرمانيُّ: فرائض أي أعمالًا فريضة وشرائع عقائد دينيَّة وحدودًا منهيَّاتٌ ممنوعة وسننًا أي مندوبات، وإنَّما فسَّرها بذلك ليتناول الاعتقاديات والأعمال والتُّروك واجبةً و مندوبةً، ولئلَّا تتكرَّر.
          قوله: (فَسَأُبَيِّنُهَا لَكُمْ) إن قلت: كيف أخَّر بيانها والتَّأخير عن وقت الحاجة غير جائز؟
          قلتُ: علم أنَّهم يَعْلمون مقاصدَها، ولكنَّه استظهر وبالغ في نُصحهم وعرَّفهم أقسام الإيمان مجملًا، وإنَّه سيذكرها مفصَّلًا إذا تفرَّغ لها، فقد كان مشغولًا بأهمَّ من ذلك.
          فائدة: الغرض من هذه الحكاية بيان أنَّ عمر كان قائلًا بأنَّ الإيمان قولٌ وفعلٌ، وكان قائلًا بزيادة الإيمان ونقصانه، حيث قال: استكملها ولم يَسْتكملها، لكنَّ لقائلٍ أن يقولَ: لا يدلُّ ذلك عليه بل على خلافه، إذ قال أنَّ الإيمان كذا وكذا، فجعل الإيمان غير الفرائض وأخواتها.
          وقال: استكملها؛ أي: الفرائض ونحوها لا الإيمان، فجعل الكمال لها(1) لا للإيمان.
          قوله: (نُؤْمِنْ سَاعَةً) لا يمكن حمله على أصل الإيمان؛ لأنَّ معاذًا كان مؤمنًا وأيُّ مؤمنٍ، فالمراد زيادة الإيمان؛ أي: أجلس، حتَّى نذكر وجوه دلالات الأدلَّة الدَّالَّة على ما يجب الإيمان به.
          النَّوويُّ: معناه نتذاكر الخير وأحكام الآخرة وأمور الدِّين فإنَّ ذلك إيمان.
          فائدة: معاذ بن جَبَل ╩ أحد الَّذين كانوا يُفتون على عهده عليه [الصلاة و] السَّلام، وهم عمر وعثمان وعليٍّ وأُبيُّ بن كعب ومعاذ وزيد بن ثابت ☺، وأفتى أبو بكر ☺ بحضرته.
          قوله: (لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) هذا دليلٌ ظاهرٌ على قبول الزِّيادة، ومعناه: أنَّه إذا انضمَّ عين اليقين إلى علم اليقين، لا شكَّ أنَّ الإيمان يكون حينئذ أقوى.
          إن قلت: المناسب للسِّياق أنَّه يذكر هذه الآية عند سائر الآيات؛ قلتُ: تلك الآيات دلَّت على الزِّيادة صريحًا، وهذه تلزم الزِّيادة منها، فَفَصَل بينها إشعارًا بالتَّفاوت.
          قوله: (اليَقِيْنُ الإِيْمَانُ كُلُّهُ) (اليقين) العلم وزوال الشَّكِّ، وذلك عبارةٌ عن التَّصديق، وهو أصل الإيمان، فعبَّر عن الأصل بالجميع، كقولهم: «الحجُّ عرفة»، وفيه دلالةٌ على أنَّ الإيمان تبعيضٌ؛ لأنَّ (كلًّا) و(أجمع) لا يؤكَّد بهما إلَّا ما تبعضَّ حِسًّا أو حكمًا.
          قوله: (حَقِيْقَةَ التَّقْوَى) أي: الإيمان؛ لأنَّ المرادَ من التَّقوى وقاية النَّفس عن الشِّرك، وفيه إشعارٌ بأنَّ بعض المرسلين بلغ كُنْه الإيمان، وبعضهم لا، فيجوز الزِّيادة والنُّقصان، وفي بعضها بدل التَّقوى الإيمان.
          قوله: (حَاكَ) بالتَّخفيف، وفي بعض نسخ المغاربة (حكَّ) بتشديد الكاف، وهو ما يقع في القلب ولا ينشرح له صدره وخاف الإثم فيه.
          التَّيميُّ: حاك: ثبت، وفي بعض نسخ العراقيَّة حاكة من المحاكة.
          قوله: (وَإِيَّاهُ دِيْنًا وَاحِدًا) قال الكرمانيُّ: يعني: نوحًا.
          وقال شيخنا: قال شيخ الإسلام: هذا تصحيفٌ قلَّ من تعرَّض لبيانه، وصوابه: أوصاك يا محمَّد وأنبياءه دينًا واحدًا، كما رواه عبد بن حميد والفريابيُّ والطَّبرانيُّ(2) وابن المنذر في تفاسيرهم، وبه يستقيم الكلام، وكيف يفرد مجاهدٌ الضَّمير لـ(نوح) وحدَه مع أنَّ في السِّياق ذكر جماعةٍ، انتهى.
          ولا مانع من الإفراد في التَّفسير، وإن كان لفظ الآية بالجمع على إرادة المخاطب والباقون تبعٌ، وإفراد الضَّمير لا يمنع؛ لأنَّ نوحًا أُفرِدَ في الآية، فلم يتعيَّن التَّصحيف، وغاية ما ذُكِر من التَّفاسير بخلاف لفظ أن يكون مذكورًا عند المصنِّف بالمعنى، انتهى.
          إشارة: قوله: (وَقَالَ مُجَاهِدٌ) إلى قوله: (وسنَّة) إن قيل: الكلام الأوَّل يدلُّ على الاتِّحاد والثاني يدلُّ على الاختلاف، فلمَ جمع بينهما؟
          الجواب: إنَّ الأوَّل يتعلَّق بأصول الدِّين وليس بين الأنبياء اختلافٌ، والثَّاني: بالفروع، وهو الَّذي قد دخله النَّسخ.


[1] زيد في الأصل: (للإيمان)
[2] [في خ1: الطبراني بدل الطبري].