مصابيح الجامع الصحيح

باب الدين يسر

          ░29▒ (باب: الدِّين يسر)
          (الدِّين) الطَّاعة والجزاء وقد استعير للشَّريعة، الباب مضاف إلى الجملة، فالدِّين مرفوع ومضاف إلى لفظ القول، فهو مجرور، مقصود التَّرجمة أنَّ الدِّين يقع على الأعمال؛ لأنَّ الَّذي يقع على الأعمال لأنَّ الدِّين يتَّصف باليسر والعسر إنَّما هي الأعمال دون التَّصديق، ولهذا قال: «وشيء من الدِّلجة»، وهي سير اللَّيل كلِّه؛ لأنَّ العمل باللَّيل كلِّه يشقُّ على الإنسان.
          و(يسر) معناه: ذو يسر، وإمَّا أنَّ يسر على سبيل المبالغة، نحو: أبو حنيفة فِقهٌ؛ أي: لشدَّة اليسر وكثرته كأنَّه نفسه واليسر بإسكان السِّين، وضمِّها نقيض العسر، ومعناه التَّخفيف.
          وقال بعضهم: (يسر) مصدر وُضِع موضع المفعول للمبالغة في وضع الظَّاهر موضع المضمر وهو الدِّين، يُفهَم بمعنى الإنكار.
          قوله: (أحبُّ) مبتدأ، و(الحنفيَّة) خبره، وهي صفة (الملَّة) المقدَّرة، والجملة مقول القول، ومعنى (الحنيف) المائل عن الباطل إلى الحقِّ.
          و(السَّمْحة) السَّهْلة الَّتي لا حرج فيهَا ولا تضييق على النَّاس؛ أي: ملَّة الإسلام.
          واللَّام في (السَّمحة) يُحتمَل أن تكون اللَّام للعهد، والمراد بالملَّة الحنيفيَّة الملَّة الإبراهيميَّة مُقْتبسًا من قوله تعالى: {مِلَّةَ إِبْرَاهِيْمَ حَنِيْفًا} [البقرة:135].
          و(الحنيف) عند العرب من كان على ملَّة سيِّدنا إبراهيم ◙ ثمَّ سُمِّي من احتنف وحجَّ البيت حنيفًا، وسُمِّيَ سيِّدنا الخليل حنيفًا؛ لأنَّه مال عن عبادة الأوثان، ومعنى «بُعثْتُ بالملَّة الحنيفيَّة الإبراهيميَّة» الَّتي مبناها على السُّهولة والسَّماحة المخالفة لأديان بني إسرائيل ومَا يتكلَّفه أحبارهم ورهبانهم من الشَّدائد.
          و(أحبُّ) بمعنى المحبوب لا المحبُّ.
          إن قلت: لا مطابقة بين المبتدأ والخبر؛ لأنَّ المبتدأ مذكَّر والخبر مؤنَّث؛ قلتُ: الملَّة الحنيفيَّة كأنَّها غلبت عليها الإسميَّة حتَّى صارت عَلَمًا، أو أنَّ أفعل التَّفضيل المضاف لقصد الزِّيادة على من أضيفَ إليه يجوز فيه الإفراد والمطابقة لمن هو له.
          إن قلت: فيلزم أن تكون الملَّة دينًا وأن تكون سائر الأديان أيضًا محبوبًا إلى الله، وهما باطلان، إذ المفهوم من الملَّة غير المفهوم من الدِّين، وإذ سائر الأديان مَنْسوخة.
          قلتُ: كذا في نسخة، وفي أخرى، قلتٌ: اللَّازم الأوَّل قد يلزم، وأمَّا الثَّاني، فموقوف على تفسير المحبَّة، أو المراد بالدِّين الطَّاعة؛ أي: أحبُّ الطَّاعات هي السَّمحة، اللَّازمان ملتزمان، ولا محذور فيه.