مصابيح الجامع الصحيح

باب أبوال الإبل والدواب والغنم ومرابضها

          ░66▒ (باب: أبوال الإبل والدَّواب والغنم ومرابضها)
          تنبيه: (أَيُّوبَ) في سند هذا الحديث تفقَّه فيه سيِّدي ⌂ بأَّنَّه السَّختيانيُّ، وبه جزم الكرمانيُّ.
          قوله: (والدَّوَابِّ) جمع الدابَّة، وهي مَوْضوعةٌ لكلِّ مَا يدبُّ على الأرض.
          إن قلتَ: فحينئذ يكون متناولًا للإبل والغنم، فما فائدة ذكرها؟
          قلتُ: المراد منه ههنا معناه العرفيُّ، وهو ذوات الحوافر؛ يعني: الخيل والبغال والحمير، فلا يتناولها.
          أو هو من باب عطف العامِّ على الخاصِّ، ثمَّ عطف الخاصَّ على العامِّ، والوجه هو الأوَّل.
          قوله: (السِّرْقِينِ) يحتمل عطفه على الدَّار وعلى البريد، ويُروى بالرَّفع أيضًا، وهو بكسر السِّين، وحكى ابن سيده الفتح، وهو زبل الدَّوابِّ، وهو بالفارسيَّة: سرْجين.
          قوله: (والبرِّيَّة) بالرَّفع لا غير؛ لأنَّه مبتدأ، و (إِلَى جَنْبِهِ) خبره، وفاعل يقال: (أبو موسى).
          قوله: ههنا إشارةٌ إلى مصلَّاه، ثمَّ إشارةٌ إلى البرِّيَّة.
          قوله: (قَدِمَ) أي: إلى رسول الله صلعم، أو إلى المدينة، ويحتمل أن يكونَ قوله: (اجتووا) الاجتواء كراهة المقام، يُقال: اجتويت البلاد إذا كرهتها وإن كانت موافقة لك في بدنك واستوبأتها إذا لم توافقك في بدنك وإن أحببتها.
          لفظ (المدينة) في الحديث متعلِّقًا به أيضًا، فيكون من باب تنازع العاملين عليها.
          قوله: (وَأَنْ يَشْرَبُوا) عطفٌ على (لقاح)، نحو: أعجبني زيدٌ وكرمه، واللُّقاح إمَّا لبيت المال، وإمَّا ملكه ◙ خاصَّةً، وإمَّا مشتركٌ بينهما.
          إن قلتَ: لم أذن لهم في شُرْبِ لبن الصَّدقة؟
          قلتُ: ألبانُها للمحتاجين من المسلمين، وهؤلاء منهم.
          (لُقَاحُ الإِبِلِ) الواحدة لقوح وهي الحلوب، مثل: (قلوص وقلاص).
          أبو عمرو: إذا أنتجت؛ فهو قلوص شهرين أو ثلاثة، ثمَّ هي لبون بعد ذلك.
          قوله: (فَبَعَثَ) مثل هذه الفاء تُسمَّى بالفصيحة؛ أي: فأخذوهم، وجاؤوا بهم إلى رسول الله صلعم، فأمر بقطع أيديهم، وفي بعضها: فأمر فقُطِع؛ أي: أمر بالقطع فقُطِع.
          قوله: (أَيْدِيْهِمْ) إمَّا أن يُرادَ بهَا أقلَّ الجمع الَّذي هو اثنان عند بعض العلماء؛ لأنَّ كلًّا منهم له يدان، وإما أن يراد التَّوزيع عليهم بان يُقطَع من كلِّ واحد منهم يدًا واحدةً، والجمع في مقابلة الجمع يفيد التَّوزيع، انتهى كلام الكرمانيِّ.
          قال شيخنا: قطع ◙ منهم اثنين، وصلب اثنين، وسمر اثنين، رواه الحسن بن سفيان.
          قوله: (بِالحَرَّةِ) هي أرضٌ ذات حجارة سود كأنَّها أُحرِقَت بالنَّار، ويُحتمَلُ أن يُراد بها حرارة الشَّمس. /
          قوله: (فَلَا يُسْقُوْنَ) استجاب الله سبحانه دعوته؛ لأنَّه وَرَدَ في «النَّسائيِّ» أنَّه دعا عليهم، فقال: «عطَّش الله سبحانه من عطَّش آل محمَّد» وأيضًا فهؤلاء ارتدُّوا، والمرتدُّ لا حرمَة له.
          قوله: (سَرَقُوا) لمَّا أخذوا الإبل من حرز مثلها، وهو وجود الرَّاعي معها ويراها أجمع أطلق عليها سرقة.
          قوله: (قَالَ أَبُو قُلَابَةُ) هو إمَّا مقول أيُّوب، فيكون داخلًا تحت الإسنادِ، وإمَّا مقول البخاريِّ، فيكون تعليقًا منه.
          فائدة: قوله: (قَدِمَ نَاسٌ مِنْ عُكْلٍ أَوْ عَرِيْنَةَ) قال شَيْخُنا: الشَّكُّ من حمَّادٍ، وفي «كتاب المحاربين» : عن قتادة عن حمَّادٍ عن أيُّوبَ عن أبي قلابة عن أنس بن مالك ╩: أنَّ رهطًا مِنْ عُكْلٍ، أو قال: عرينة، قال: ولا أعلمه قال إلَّا: من عكل.
          قال البرماويُّ: الشَّكُّ من أنس، وقال الكرمانيُّ: ولفظ: (أو) ترديدٌ مِنْ أنسٍ، وفي «البخاريِّ» في باب قصَّة عكل وعرينة بعد إيراد الحديث عن سعيد عن قتادة: أنَّ أنسًا حدَّثهم: أنَّ ناسًا من عُكل و عرينة.
          قال: وقال شعبة وأبان وحمَّاد عن قتادة: مِنْ عرينة.
          وقال يحيى بن أبي كثير، وأيُّوب عن أبي قلابة عن أنس: قَدِمَ نَفَرٌ من عُكْل، وقال بعده في غزوة ذي قِرَد،
          قال عبدُ العزيز بن صُهيب: من عرينة، وقال أبو قلابة: عن أنس: من عُكل، انتهى.
          أمَّا متابعة شعبة عن قتادة؛ فأخرجها البخاريُّ في آخر (الزَّكاة) عن مسدَّدٍ عن يحيى بن سعيد عن شعبة به، ومتابعة أبان عن قتادة.
          قال شيخنا: لم أجدها، ومتابعة حمَّاد عن قتادة، قال والدي سيِّدي: ليست في الكتب السَّتَّة، وقال شيخي: رواية حمَّاد وصلها أبو داود والتِّرمذيُّ النَّسائيُّ.
          وأمَّا تعليق يحيى؛ فأخرجه البخاريُّ في (المحاربين)، وتعليق أيُّوب أخرجه أيضًا في (الطَّهارة) وفي (المحاربين) في مكانين، ومسلمٌ في (الحدود) وأبو داود فيه، والنَّسائيِّ في (المحاربة)، ورواية عَبْد العزيز وصلها مسلمٌ وغيره، ورواية أبي قلابة وصلها البخاريُّ.
          ولفظ الأطراف للحافظ المزِّيِّ في حمَّاد بن مسلمة عن ثابت عن أنس حديث العرنيين، أبو داود في (الحدود) عن موسى ابن إسماعيل، الترمذيُّ في (الطَّهارة) عن الحسن بن محمَّد الزَّعفرانيِّ عن عفَّان.
          النسائيُّ في (المحاربة) عن أبي بكر محمَّد بن نافع عن بهزٍ ثلاثتهم عنه عن ثابت وقتادة، وحميد ثلاثتهم عن أنس، وقال حمَّاد عن قتادة عن أنس حديث _البخاريُّ تعليقًا أبو داود والترمذيُّ النسائيُّ_ العرنيين، البخاريُّ في (المغازي).
          وقال حمَّاد عن قتادة، وتقدَّم باقي طرقه في ترجمته عن ثابتٍ عن أنس، وقال في حمَّاد عن حميد عن أنسٍ حديث _أبو داود والترمذيُّ_ العرنيين تقدَّم في خدمته عن ثابتٍ عن أنسٍ، انتهى.
          وورد: (من عكل وعرينة) بالواو، وورد: (أنَّ نفرًا)، ولم يذكر من أيِّ قبيلةٍ، وورد: (من عرينة) بغير عكل، والكلُّ من حديث أنسٍ في «الصَّحيح» وورد في «المصنَّف» لعبد الرَّزَّاق أنَّهم من بني فزارة، وَوَرد في أحكام ابن الطلَّاع أنَّهم من بني سُليم.
          قال السَّفاقسيُّ: عكل وعرينة واحدٌ، وفيه نظرٌ، فرواية: (أنَّ نفرًا) من غير ذكر قبيلةٍ لا ينافي أنَّهم من عكل وعرينة، ورواية: (من عرينة) إنَّما ذكرهم دون عكل؛ لأنَّ أكثرهم كان من عرينة، ففي روايةٍ أنَّهم من بني سليم، وروايةٍ أنَّهم من بني فزارة، فالشأن في سندهما.
          وقال الكرمانيُّ: (عكل) قبيلةٌ وبلدٌ أيضًا.
          إشارة: (سُمِرَت) بالتَّخفيف والتَّشديد، وفي بعضها: سمل، وسمل العين: فقؤها، يُقال: سمُلَت عينه، بصيغة المجهول؛ إذا فُقِئَت بحديدة مُحْمَاةٍ.
          ومعنى: (سمر) بالرَّاء: كحلها بمسامير محميَّة، وقيل: هما بمعنى واحدٍ.
          قالوا: السَّمر لغة: في السَّمل؛ لقرب مخرج الرَّاء واللَّام. /