مصابيح الجامع الصحيح

باب وضوء الرجل مع امرأته وفضل وضوء المرأة

          ░43▒ (باب: وضوء الرَّجل مع امرأته وفضل وضوء المرأة)
          قوله: (بالحَمِيمِ) هو الماء السَّاخن، وأجمع أهل العراق والحجاز على الوضوء به، غير مجاهدٍ؛ فإنَّه كرهه، وأمَّا وضوء عمر ☺ من بيت النَّصرانيَّة؛ فلأنَّه كان يرى سؤرها طاهرًا.
          وقال ابن المنذر: لا أعلم أحدًا كره ذلك إلَّا أحمد وإسحاق.
          إن قلتَ: مَا مناسبة الأثر بالتَّرجمةِ؟
          قلتُ: غرض البخاريِّ في هذا الكتاب ليس منحصرًا في ذكر متون الأحاديث، بَلْ يريد الإفادةَ أعمَّ من ذلك، ولهذا يذكر آثار الصَّحابة وفتاوى السَّلَف وأقوال العلماء ومعاني اللُّغات وغيرها، فقَصَد هنا بيانَ التَّوضُّئ بالماء الَّذي مسَّته النَّار، ويسخن بها بلا كراهةٍ؛ دفعًا لما قال مجاهد، وبالماء الَّذي من بيت النَّصرانيَّة ردٌّ لمن قال أنَّ الوضوء بسؤرها مكروه، ولمَّا كان هذا الأخير الَّذي هو مناسبٌ لترجمةِ الباب من فعل عمر؛ ذكر الأثر الأوَّل أيضًا، وإن لم يكن مناسبًا لها لاشتراكهما في كونهما من فِعْله تكثُّرًا للفائدة، واختصارًا في الكتاب.
          ويُحتمَل أن يكونَ هذا قضيَّةٌ واحدةٌ؛ أي: توضَّأ من بيت النَّصْرانيَّة بالماء الحميم، ويكون المقصود ذكر استعمال سؤر المرأة النَّصرانيَّة.
          وذكر الحميم؛ إنَّما هو لبيان الواقع، فتكون مناسبته للتَّرجمة ظاهرةٌ، انتهى كلام الكرمانيِّ.
          وقال شيخنا في «فتحه» : مناسبته للتَّرجمة من جهة أنَّ الغالبَ أنَّ أهل الرَّجل تبع له فيما يفعل.
          فأشار البخاريُّ إلى الرَّدِّ على مَنْ منع المرأة أن تتطهَّر بفضلِ الرَّجلِ؛ لأنَّ الظَّاهرَ أنَّ امرأةَ عمر ☺ كانت تتوضَّأ بفضلهِ أو معه، فيناسب قوله: وضوء الرَّجل مع امرأته.
          وأمَّا مسألة التَّطهير بالماء المسخَّن؛ فاتَّفقوا على جوازه، إلَّا مَا نُقِل عن مجاهدٍ، والَّذي جرِّأ الكرمانيُّ على أن يقول: المقصود ذكر استعمال سؤر المرأةِ، وأمَّا الحميم؛ فذُكِرَ لبيان الواقع؛ مَا وقع في رواية كريمة بحذف الواو من قوله: (ومن بيت) وإنَّما هما أمران متغايران، انتهى.