مصابيح الجامع الصحيح

باب البول قائِمًا وقاعدًا

          ░60▒ (باب: البول قائمًا وقاعدًا)
          في الحديث جواز البول قائمًا، وأمَّا البول قاعدًا؛ فمن دليل الحديث؛ لأنَّه إذا جاز البول قائمًا، / وقاعدًا أجوز؛ لأنَّه أمكن.
          واختلفوا في البول قائمًا بالكراهة وعدمها.
          وقال مالكٌ بقولٍ ثالث، وهو أنَّ البول إذا كان في مكان لا يتطاير عليه منه شيء؛ فلا بأس، وإلَّا فمكروه، وهو دليل الحديث؛ لأنَّ البول في السُّباطة لا يكاد يتطاير منه شيء كثير، فلذلك بال قائمًا.
          ومن كرهه قائمًا كرهه خشية ما يتطاير عليه من بوله، ومن أجازه قائمًا أجازه خوف ما يحدثه البائل جالسًا في الأغلب من الصَّوت الخارج إذا لم يمكنه التَّباعد عمَّن يسمعه.
          وقد جاء عن عمر: (البول قائمًا أحصن للدُّبر)، وكان الشَّارع إذا بال قائمًا؛ لم يُبْعد عن النَّاس ولا أبعدهم عن نفسه، بَلْ أمر حذيفة بالقُرْبِ منه.
          فائدة: في بوله ◙ قائمًا اختلاف:
          فقيل: أنَّ العربَ كانت تَسْتشفي به لوجع الصُّلْب، فلعلَّ ذلك كان به.
          ثانيًا: أنَّه فَعَل ذلك لحرج ما يصيبه وهو باطن الرُّكبة؛ رواه الحاكم، وقال: رجاله ثقات، وتعقَّبه الذَّهبيُّ: لحمَّاد بن غسَّان قال: وقد ضعَّفه الدَّار قطني، وضعَّفه البيهقي وغيره.
          ثالثًا: أنَّه لم يجد مكانًا للقعود، فاضطرَّ إلى القيام؛ لكون الطَّرف الَّذي تمكَّنه من السِّباطة كان عاليًا مرتفعًا.
          رابعًا: لأنَّها حالةٌ يرى فيها خروج الحدث من السَّبيل الآخر بخلاف القعود.
          خامسًا: فعَله بيانًا للجواز.
          خاتمة:
          قال النوويُّ: أمَّا بوله ◙ في سُبَاط القوم؛ فَهْو أنَّها لم تكن مختصَّةً بهم، بَلْ كانت بفناء دورهم للنَّاسِ كلِّهم، فأُضيف إليهم تقريبًا منهم، أو أنَّهم أذنوا لمن أراد قضاء الحاجةِ إمَّا بصريح الإذن، وإمَّا بما في مَعْناه.
          وأظهر الوجوه أنَّهم يؤثرون ذلك ولا يَكْرهونه، بل يَفْرحون به، ومن كان هذا حاله؛ جاز البول في أرضه والأكل من طعامه.
          أمَّا بوله في السُّباطة الَّتي بقرب الدُّور مع أنَّ المعروف من عادته التَّباعد في المذهب؛ فهو أنَّه ◙ كان من الشُّغُل بأمر المسلمين والنَّظر في مصالحهم بالمحلِّ الأعلى، فلعلَّه طال عليه المجلس حتَّى لم يمكنه التَّباعد، ولم يعد لتصرُّفه.
          وفيه جواز البول بقرب الدَّار، انتهى.
          وقول الفقهاء يُبْعد ضابطه ألَّا يسمع صوت خارج ولا يشمَّ ريحه، وخصَّه ابن المنذر في الامتناع بالغائط، وقال: وله أن يبول بقرب النَّاس.
          فشرعٌ عندنا، فيكره أن يبول قائمًا بلا عذر أو يتغوَّط.
          الدَّليل على ما روى ابن ماجه وابن حبَّان والبَيْهقيُّ عن عمرَ ╩ أنَّه قال: (وأتى رسولُ الله صلعم وأنا أبول قائمًا، فقال: «يا عمر! لا تَبُل قائمًا» قال: فما بلتُ قائمًا).
          وقال التِّرمذيُّ: إنَّما رفعه عبد الكريم وهو ضعيفٌ، وروى عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: قال عمر ╩: (ما بلتُ قائمًا منذ أسلمتُ) وهذا أصحُّ منه.
          وأخرجه ابن حيَّان في «صحيحه»، وقال: أخاف أن يكونَ ابن جريج لم يسمعه من نافع، وروى الأعمش عن زيد بن وَهْب: أنَّه رأى عمرًا بال قائمًا، فخالف رواية الحجَّار.
          وفي التِّرمذيِّ والنَّسائيِّ وابن ماجة بإسناد حسنٍ عن عائشة ╦: (من حدَّثكم أنَّ النَّبيَّ صلعم كان يبول قائمًا؛ فلا تصدِّقوه)، لكن في «البخاريِّ» و «مسلم» : (ما رأيتُ)، وقيل: فَعَل؛ لأنَّه لم يجد موضعًا غيره.
          وفيه أنَّ مدافعة البول مكروهةٌ؛ لأنَّه بال على السُّباطة قائمًا ولم يؤخِّره.
          وفي «الأحياء» سنةٌ عن الأطبَّاء: أنَّ بوله في الحمام في الشِّتاء قائمًا خيرٌ من شَرْبه دواء.