مصابيح الجامع

باب أمر النبي اليهود ببيع أراضيهم

          ░107▒ (باب: أَمْرِ النَّبِيِّ صلعم الْيَهُودَ بِبَيْعِ أَرَضِيهِمْ (1) حِينَ أَجْلاَهُمْ) أي: نقلَهم عن المدينة، وهم بنو النَّضير، كذا في الزركشيِّ وغيره (2).
          (فِيهِ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) قال الزركشيُّ: رواه البخاريُّ في كتاب الجهاد.
          قلت: وكذا في ابن بطَّال، والذي ذكره البخاريُّ في أواخر الجهاد هو قولُه هناك في (3) إخراج اليهود من جزيرةِ العرب: قال أبو هريرة: بينما نحن في المسجد، خرج النَّبي صلعم، فقال: ((انطلقوا إلى يهود))، فانطلقنا حتى جئنا بيتَ المِدْراس (4)، فقال: ((أسلِمُوا تسلَمُوا، واعلَمُوا أنَّ الأرضَ للهِ ورسُولِهِ، وإنِّي أُرِيدُ أَن أُجْلِيَكُم مِن هذِهِ الأرضِ، فمَنْ وجدَ بمالِهِ فلْيَبِعْهُ، وإلاَّ فاعلَمُوا أنَّ الأرضَ للهِ ورسُولِه)).
          قال ابن المنيِّرِ: لا يُتصوَّر أن يروي أبو هريرة حديثَ بني النَّضير وإجلائهم، ولا أن يقول: بينا نحن في المسجد خرج علينا رسولُ الله صلعم، ثم يقتصُّ بإجلاء (5) بني النَّضير، وذلك أن إجلاءَهم في أول السَّنة الرابعة من الهجرة اتفاقاً، وإسلامُ أبي هريرة إنما كان بعدَ هذا بكثير، يقال: إنَّه أسلم في السَّنة السابعة (6)، وحديثه صحيحٌ، لكنه (7) لم يكن في بني النَّضير، بل في من بقيَ من اليهود بعدهم كان صلعم يتربَّص بجلائهم أن يوحى إليه، فتأخر ذلك إلى مرض (8) موته ◙، فأُوحي إليه بإجلائهم، فأوصى أن لا يبقى دينان في جزيرة العرب، ثمَّ تأخر الأمر إلى زمان (9) عمر ☺، وليس (10) في حديث أبي هريرة أنه أمرهم ببيعِ أرضهم، وإنما قال (11) : ((فمَنْ وجدَ بمالِه شيئاً فليبعْه))، والمال أعمُّ من الأرض.
          والعجبُ ترجمة البخاريِّ هنا على بيع اليهود أرضَهم، ولم يذكر فيه إلَّا حديثَ أبي هريرة، وليس فيه للأرض ذكرٌ (12)، إلَّا أن يكون أخذ ذلك بطريق العموم الذي قرَّرناه، فدخلت فيه الأرضون، وإن لم يكن (13) حينئذٍ أرضون.
          ثم سأل عن فائدة ذلك، مع أنه لا يمكن فرضُ مثل هذه الواقعة بحيث نقول: لو أجلينا اليهود الآن، ولهم أرضون، لألزمناهم بيعَها؛ لأنا لا نجلي اليهود أبداً وهم في الذِّمَّة، فإن نقضوا العهد، صاروا هُم وأموالهم فَيْئاً.
          وأجاب: بأنه يمكن تقدير فائدةٍ له، وهو أنَّ الفاسق إذا نهُي فلم ينته، أجليناه، وأكرينَا عليه داره.
          وقيل: يُباع / عليه، فيكون الحديث حجَّة لهذا القول، وهؤلاء هم اليهود الذين فَضَلوا من السيف، وكانوا عمَّالاً في خيبرَ مساقاةً، والأرضُ لله ورسوله، فلمَّا أجلاهم عمرُ، باعوا ما لم يمكنهم حملُه خاصَّةً. انتهى كلامه ☼.


[1] في (ج): ((أرضهم)).
[2] ((وغيره)): ليست في (د) و(ج).
[3] في (ق) زيادة: ((باب)) ((في)): ليست في (د).
[4] في (م) و(د) و(ق): ((المدارس)).
[5] في (ق): ((ثم يقتضي إجلاء)).
[6] في (د): ((الرابعة)).
[7] في (ق): ((لكن)).
[8] في (ق): ((فتأخر ذلك الزمن حين)).
[9] في (ق): ((زمن)).
[10] ((ليس)): ليست في (د) و(ج).
[11] في (د): ((وإنما كان)).
[12] من قوله: ((هنا على.. إلى.. ذكر)): ليست في (ق).
[13] في (ق) زيادة: ((لهم)).