مصابيح الجامع

باب التجارة في البر

          ░8▒ (باب: التِّجَارَةِ فِي الْبَزِّ وَغَيْرِهِ) بفتح الباء الموحدة بعدها زاي مشددة، وأمتعةِ البزاز، وعند بعضهم: <البُرِّ> بالراء، قيل: وهو (1) تصحيفٌ.
          (وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور:37]) اختُلف في معناه، فقيل: لا تجارةَ لهم، فلا يشتغلون عن الذكر.
          وقيل: لهم تجارة، ولكنها لا تَشْغلهم عن الذِّكر،وعلى هذا المعنى الثاني تتنزَّل ترجمة البخاري، فإنما أراد إباحةَ التجارة وإثباتَها لا نَفيَها، وأراد بقوله: ((في البزِّ وغيره)) أنه لا تَعبُّدَ في تخصيص نوعٍ من البضائع دون غيره، وإنما التعبُّدُ في أن لا يشتغل بالتجارة أيًّا ما كانت عن الذكر.
          واعلم أنه لم يَسُقْ (2) في الباب حديثاً يقتضي التجارة في البزِّ بعينها من بين سائر أنواع التجارات.
          قال ابن بطَّال: غير أن قوله تعالى: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور:37]، يدخل فيه جميع أنواع التجارة (3) من البزِّ وغيره.
          قلت: لا نسلِّمُ شمولَ الآية لكلِّ تجارة بطريق العموم الاستغراقيِّ؛ فإن التجارة والبيع فيها من المطلق، لا من العامِّ.
          فإن قلتَ: كيف يتَّجه هذا، وكلٌّ من التَّجارة والبيع (4) في الآية وقع نكرةً في سياق النفي؟
          قلت: قد سبق أن ترجمة البخاري مقتضيةٌ لإثبات التجارة لا نفيِها، وأن المعنى: لهم تجارة وبيعٌ لا يلهيانهم عن ذكر الله، فإذنْ كُلٌّ منهما نكرة في سياق الإثبات، فلا يَعُمُّ.
          وإذا علمت أنه ليس في الباب حديثٌ يختصُّ بالبزِّ (5) بالزاي، فما وجهُ نسبةِ من روى: البُرِّ بضم الباء وبالراء (6) إلى التصحيف، مع أنه ليس ثَمَّ ما يدفعه؟ فتأمَّله.


[1] في (د): ((هو)).
[2] في (ق): ((يسبق)).
[3] في (ق): ((التجارات)).
[4] من قوله: ((فيها من... إلى... قوله: والبيع)): ليس في (ق).
[5] ((بالبز)): ليست في (ج).
[6] في (د): ((البز بضم الباء وبالزاي)).