التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

حديث: لما كاتب سهيل بن عمرو يومئذ كان فيما اشترط

          2711- 2712- 2713- قوله: (عن الزهري أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ مَرْوَانَ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ ☻ يُخْبِرَانِ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلعم) لم يعينا مَنْ رويا عنه، ولا يضرُّ ذلك؛ لأنَّ الصحابة كلُّهم عدول، فلا قدح فيه بسبب عدم معرفة أسمائهم.
          قوله: (لَمَّا كَاتَبَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو) يعني: ابن عبد شمس القرشي أحد أشرافهم أُسِر يوم بدر، وكان خطيب قريش، فقال عمر: انزع ثنيته، ولا يقوم عليك خطيبًا، فقال رسول الله صلعم : ((دعه، فعسى أن يقوم مقامًا يحمده (1)))، أسلم يوم الفتح وكان رقيق القلب كثير البكاء عند قراءة القرآن، فلما مات رسول الله صلعم ، واختلف الناس بمكَّة، وارتد كثيرون؛ قام سهيل خطيبًا وسكن الناس، ومنعهم من الاختلاف، فكان / هذا هو المقام الذي أشار إليه رسول الله صلعم ، مات سهيل سنة ثمان عشرة في طاعون عمواس.
          قوله: (يَوْمَئِذٍ) أي: يوم صلح الحديبية، وهي المصالحة التي كانت بين رسول الله صلعم وبين كفار قريش.
          قوله: (فَكَرِهَ المسلمون ذَلِكَ وَامْتَعَضُوا) بعين مهملة وضاد معجمة، أي: غضبوا وأنفوا منه، كذا رواه أبو ذر وعبدوس بالضاد المعجمة، وقد وقع في بعض الروايات مفسرًا: (تكرهوا وأنفوا) عند القابسي في هذا الباب، وعند الحموي في المغازي والمستملي، وعند الأصيلي والهمداني: (امتعظوا) بظاء معجمة، وكذا لأبي الهيثم في المغازي والجرجاني، وفسروه بكرهوا، قال القاضي: وهو غير صحيح، ووهم في الخط والهجاء، إنَّما يصحُّ بالضاد المعجمة كما تقدَّم عن أبي ذرٍّ.
          قوله: (وَكَانَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ مِمَّنْ خَرَجَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلعم يَوْمَئِذٍ، وَهِيَ عَاتِقٌ) أي: شابة أوَّل ما أدركت، قال ابن دريد: عتقت الجارية: صارت عاتقًا، وذلك إذا أوشكت البلوغ.
          و(مُعَيْطٍ) بضم الميم وفتح العين المهملة، وأبوها (عُقْبَةَ) أسر يوم بدر، وضربت عنقه صبرًا، وقِيلَ: العاتق: التي لم تبن من والدتها، وقِيلَ: هي البكر التي لم تتزوج، وقد أدركت وشبَّت، ويجمع على عواتق.
          قوله: (ورَدَّ يَوْمَئِذٍ أَبَا جَنْدَلٍ بن سهيل) قال الزبير بن بكار: اسمه العاصي، مات في خلافة عمر.
          قوله: (فَجَاءَ أَهْلُهَا يَسْأَلُونَ النَّبِيَّ صلعم أَنْ يُرْجِعَهَا إِلَيْهِمْ) هو بفتح الياء المثنَّاة من تحت؛ لأنَّ ماضيه ثلاثيًا، قال الله تعالى: {رَجَعَكَ اللهُ}[التوبة:83].
          قوله: (فَلَمْ يَرْجِعْهَا لِمَا أَنْزَلَ اللهُ فِيهِنَّ: {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ}[الممتحنة:10]) أي: اختبروهن بالحلف والنظر في الأمارات ليغلب على الظن الصدق في إيمانهن، ونزلت هذه الآية بيانًا؛ لأنَّ الشرط إنَّما كان في رد الرجال دون النساء، ولما جلس رسول الله صلعم على الصفا يبايع النِّساء جاءت هند متنكرة مع النِّساء خوفًا من رسول الله صلعم ، فلما قرأ: {وَلَا يَسْرِقْنَ}[الممتحنة:12]، قالت هند: إن أبا سفيان رجل مسيك، وإني أصيب من ماله دينار، فلا أدري أيحل أم لا؟ فقال أبو سفيان: ما أصبت من شيء فيما مضى وفيما غبر؛ فهو لك حلال، فضحك النَّبي صلعم ، وعرفها، فقال لها / ((وإنك لهند بنت عتبة؟)) فقالت: نعم، فاعف عما سلف يا نبي الله عفا الله عنك، يعني: ما كان من أمر حمزة، فقال: {وَلَا يَزْنِينَ}[الممتحنة:12]، فقالت هند: أو تزني الحرة؟ فقال: ((لا، ما تزني الحرة))، فقال: {وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ}[الممتحنة:12]، فقالت: ربيناهم صغارًا، وقتلتموهم كبارًا، فأنتم وهم أعلم، وكان ابنها حنظلة بن أبي سفيان قتل يوم بدر، فضحك عمر حتَّى استلقى، والمراد بقتل الأولاد: الوأد الذي كان يفعله أهل الجاهلية، ثمَّ قال: {وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ}[الممتحنة:12] قال ابن عبَّاس: المراد أن لا تلحق المرأة بزوجها ولدًا ليس منه، وقِيلَ: البهتان في الآية: الكذب والتهمة، وقِيلَ: السحر والتمويه، فقالت هند: والله إن البهتان لأمر قبيح، وما يأمر إلا بالأرشد ومكارم الأخلاق، فقال: {وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ}[الممتحنة:12] فقالت هند: ما جلسنا مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصيك في شيء.
          قوله: (قَالَتْ عَائِشَةُ : مَنْ أَقَرَّ بِهَذَا الشَّرْطِ مِنْهُم) أي: قبلته وقررته، والباء زائدة، (قال: بَايَعْتُكِ كَلَامًا) هو بالنصب على الحال من فاعل (قَالَ)، ويجوز أن يكون منصوبًا على التمييز من (بَايَعْتُكِ)، والعامل (قال)، وأن يكون مفعولًا مطلقًا، و(يُكَلِّمُهَا) إمَّا مستأنفة أو صفة مؤكدة لدفع توهم التجوز، قاله في «الكاشف» فيما حكاه عنه عفيف بن مسعود في شرحه.


[1] في الأصل حروفها مهملة.