التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

حديث: لا تخيروا بين الأنبياء فإن الناس يصعقون يوم القيامة

          2412- قوله في الرواية الثانية: (أَمْ حُوسِبَ بِصَعْقَةِ الأُولَى) أي: التي كانت في الدنيا في قوله تعالى: {وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا}[الأعراف:143]، قال الكرماني: إن قلت: ما الجمع بين قوله في الحديث الأول: (أَوْ كَانَ مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللهُ) وبين قوله هنا: (أو حُوسِبَ بِصَعْقَةِ الأُولَى)؟ قلت: لا منافاة؛ إذ المستثنى قد يكون نفس من له الصعقة في الدنيا، وهو موسى ◙ ، أو معناه: لا أدري أي هذه الثلاثة كانت من الإفاقة أو الاستثناء أو المحاسبة.
          قوله: (أَيْ خَبِيثُ، عَلَى مُحَمَّدٍ صلعم !) أي: يا خبيثُ، آاصطفاه على محمَّد صلعم !.
          قوله: (فإذا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ) القائمة لغة واحدة قوائم الدَّابَّة، والمراد هنا: هو كالعمود للعرش، و(آخِذٌ) خبر مبتدأ محذوف، قال ابن بطَّال: وفي الحديث أنَّه لا قصاص بين المسلم والذمي؛ لأنَّه صلعم لم يأمر بقصاص اللطمة. قلت: قد يمنعه الحنفي القائل بجريان القصاص بينهما من جهة أن المماثلة في اللطمة مفقودة، ولهذا لم يأمر بها، بخلاف النفس والأعضاء لوجود المماثلة فيها. والله أعلم.
          تنبيه: قال الداوودي: معنى قوله صلعم : (فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) أي: يخرون صراعًا لصوت يسمعونه يوجب فيهم ذلك، والصعق: الغشيان أو الموت، وقِيلَ: الإغماء من الفزع، والصعق والصعقة: الهلاك والموت، يقال فيه: صعق الإنسان بفتح الصاد وضمها، وأنكر بعضهم الضم، قال الأزهري: في قوله تعالى: {وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ}[الأعراف:143] دليل على أنَّ الصعق الغشي؛ لأنَّه يقال للذي غشي عليه والذي ذهب عقله: قد أفاق، ويقال في الميت: بعث ونشر، قال تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ}[البقرة:56]، وكذا قاله ابن سيده وغيره، وقال القاضي كما قدمناه عنه: إنَّ الصعقة صعقة فزع بعد البعث حين تنشقُّ السموات والأرض، وقدَّمنا أنَّه لا منافاة حينئذ بين قوله: ((أنا أوَّل من تنشقُّ عنه الأرض يوم القيامة)) وبين قوله: (فأكون أوَّل من يفيق، فإذا موسى، فلا أدري أفاق قبلي أو كان ممن استثنى الله)