التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

حديث: من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه

          2009- 2010- قوله: (قَالَ ابْنُ شِهَابٍ يعني الزهري فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلعم وَالْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ) معناه: استمر الأمر هذه المدة المذكورة، وهي إلى صدر من خلافة عمر (1)، كل واحد يقوم رمضان في أي وجه كان حتَّى جمعهم عمر.
          قوله: (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ القَارِيِّ) هو بالقاف والراء وبمثنَّاة من تحت مشددة: منسوب إلى القارة قبيلة كان عامل عمر على بيت مال المسلمين، توفي سنة ثمانين.
          قوله: (فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ) بالزاي وعين مهملة، أي: جماعات متفرقون، قال الخطابي: ولا واحد له من لفظه، وهو اسم لما بين الثلاثة إلى العشرة، كذا رأيته عنه في شرح الكرماني، والذي قال الخطابي: إنَّه ما بين الثلاثة إلى العشرة إنَّما هو الرهط، وقال ابن فارس: الرهط: العصابة دون العشرة، قال: ويقال إلى الأربعين.
          قوله: (وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلاَتِهِ الرَّهْطُ) هو اسم لما دون العشرة من الرجال، ورهط الرجل: قومهم.
          قوله: (لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلاَءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ، لَكَانَ أَمْثَلَ) أي: أفضل.
          قوله: (فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ) هو بضم الهمزة وفتح الباء / الموحَّدة وتشديد المثنَّاة من تحت، وهو أبي بن كعب الأنصاري.
          قوله: (فقَالَ عُمَرُ نِعْمَه الْبِدْعَةُ هَذِهِ) كذا وقع في نسخة الأصيلي بالهاء، قال ابن التين: وهو الصواب على أصول الكوفيين، وإنَّما يكون عند البصريين بالتاء ممدودة (نعمت)؛ لأنَّ نعم عندهم فعل، فلا يتصل به إلا تاء التأنيث دون هائه، ووقع في رواية أبي الحسن: (نعم البدعة)، ووجهه أنَّها تقدَّمت مؤنثًا غير ذي درج، مثل: {وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ}[آل عمران:86]، وهي كلمة تجمع المحاسن كلها كضده في: بئس.
          والبدعة: كل شيء عُمِل على غير مثال بما وافق السنَّة فهو بدعة هدى، وما خالفها فهو بدعة ضلالة، عام مخصوص.
          قال العلماء: والبدعة خمسة أقسام: واجبة ومندوبة ومحرمة ومكروهة ومباحة، ويؤيد ما قلناه قول عمر في التراويح: (نعم (2) الْبِدْعَةُ هَذِهِ) وهي من المندوبات، واتفق العلماء على استحباب صلاة التراويح، وإنَّما دعاها عمر بدعة؛ لأنَّ رسول الله صلعم لم يسنَّها لهم، ولا كانت في زمن الصِدِّيق، ورغَّب فيها بقوله: (نِعمَ) ليدلَّ على فضلها دليلًا يمنع هذا اللقب من فعلها، والتراويح عشرون ركعة بعشر تسليمات عند الشافعي ومن وافقه، ولا يجوز فعلها أربع ركعات بتسليمة واحدة، ولا يزاد على عشرين، وجوز الشافعي لأهل المدينة فعلها ستًا وثلاثين، قال الشافعي وأصحابه: ولا يجوز ذلك لغيرهم، وعن الحليمي: إنَّها لا تنحصر في عشرين، بل تجوز الزيادة عليها والنقصان، ويجوز لغير أهل المدينة أن يتشبهوا بأهل المدينة في فعلها ستًا وثلاثين، وبعدم الانحصار قال الروياني، ونُقل عن الشافعي في القديم، والحكمة _ كما قال الحليمي _ في مشروعيتها عشرين: أن السنن الراتبة في غير رمضان عشر وضوعفت في رمضان؛ لأنَّه وقت جد وتشمير، وإنَّما سُمِّيَت التراويح بذلك؛ لأنَّهم كانوا يصلون تسليمتين، ثمَّ يتروحون، وتسمى كل تسليمتين ترويحة، فمجموع التراويح خمس ترويحات، وإنَّما كان لأهل المدينة الزيادة إلى ست وثلاثين؛ لأنَّ أهل مكَّة كانوا يطوفون بين كل ترويحتين سبعة أشواط، ويصلون ركعتي الطواف، فأراد أهل المدينة مساواتهم، فجعلوا مكان كل أسبوع من الطواف ترويحة، فيحصل من ذلك أربع ترويحات، وهي ستة عشر ركعة، وإنَّما اختص أهل المدينة بذلك لشرفهم بهجرة رسول الله صلعم إليهم ومدفنه عندهم.
          ووقت التراويح بين صلاة العشاء وطلوع الفجر على الراجح في مذهبنا، ويتصور صلاتها قبل مغيب الشفق الأحمر فيما إذا جمع تقديمًا بين المغرب والعشاء، صرَّح بذلك الغزالي في مسائل استفتي فيها.
          وقال الحليمي: لا يدخل وقت التراويح إلا بمضي ربع الليل، وهل الأفضل فعلها فرادى في بيته أو جماعة في المسجد وهو قول الجمهور كما فعل عمر والصحابة ♥، واستمر عليه العمل؛ لأنَّه من الشعائر الظاهرة، فأشبه صلاة العيد؟ فيه خلاف.
          وفي حديث الباب جواز النافلة جماعة، ولكن الاختيار فيها الانفراد إلا في نوافل مخصوصة، وفيه جواز النافلة في المسجد وإن كان البيت أفضل. وقول عمر: (نعمَ البدعة) تسمية لغوية / لا تسمية شرعية لما تقدَّم أن البدعة في اللغة: كل ما فُعل ابتداء من غير مثال سبق، وأمَّا البدعة الشرعية؛ فما لم يدل عليه دليل شرعي، فإذا كان نص الشارع قد دل على استحباب فعل أو اجتنابه بعد موته أو دل عليه مطلقًا ولم يُعمل إلا بعد موته؛ صح أن يسمى بدعة في اللغة؛ لأنَّه عمل مبتدأ، وأمَّا التراويح؛ فليست ببدعة في الشريعة، بل سنة بقول رسول الله صلعم وفعله، ولا صلاتها في جماعة بدعة في الشريعة، وقد صلَّاها رسول الله صلعم في شهر رمضان ليلتين أو ثلاثًا، وصلاها أيضًا في العشر الأواخر في جماعة مرات، وقال: إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتَّى ينصرف كتب له قيام ليلة، أي: لما قام بهم حتَّى خشوا أن يفوتهم الفلاح، رواه أهل السنن، وبهذا الحديث احتجَّ من فضل فعلها في الجماعة على فعلها فرادى، وقد قال لهم لما اجتمعوا ولم يخرج إليهم: ((إنَّه لا يمنعني أن أخرج إليكم إلا كراهية أن تفرض عليكم، فصلوا في بيوتكم، فإن صلاة المرء في بيته أفضل إلا المكتوبة)) وعلَّلَ صلعم الخروج بخشية الإفراض عليهم، فعُلِم بذلك أنَّه لولا خوف الافتراض لخرج إليهم، فلما كان عهد عمر أمن الافتراض، فجمعهم على واحد، وأسرج المسجد، وصارت هذه الهيئة عملًا لم يكونوا يعملونه من قبل، فسُمِّي بدعة؛ لأنَّه في اللغة يُسمَّى بذلك، ولم تكن بدعة شرعيَّة؛ لأنَّ السنَّة اقتضت أنَّه عمل صالح لولا خوف افتراضه، وقدر إلى ذلك بموته، فانتفى المعارض، والمقتضي للعمل قائم بسنَّته صلعم ، فعملوا بمقتضى سنَّته.
          قوله: (وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِن الَّتِي يَقُومُونَ يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ) يعني: الصلاة آخر الليل أفضل؛ لحديث عائشة: أنَّه ╕ كان ينام أوَّل الليل، ويُحيي آخره.


[1] في الأصل صورتها:((مده زمن خلافة)).
[2] كذا في الأصل.