التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب: الرهن مركوب ومحلوب

          قوله: (بَابٌ: الرَّهْنُ مَرْكُوبٌ وَمَحْلُوبٌ): هذا التَّبويب هو حديثٌ أخرجه الحاكم وقال: (على شرط البخاريِّ ومسلم ولم يخرِّجاه) من حديث أبي هريرة، ولم يكن من شرط البخاريِّ؛ لعلَّة فيه؛ وهي الوقف على أبي هريرة، كما رواه الثَّوريُّ وشعبة.
          قوله: (وَقَالَ مُغِيرَةُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ): أمَّا (مُغيرة)؛ فهو ابن مِقْسَم الضَّبِّيُّ مولاهم، الكوفيُّ، الفقيه الأعمى، أبو هشام، تَقَدَّم [خ¦1978]، أخرج له الجماعة، والحكمة في أنَّ البخاريَّ قال: (وقال مُغيرة عن إبراهيم)، ولم يقل: وقال إبراهيم؛ لأنَّ المغيرة إمامٌ ثقةٌ، وهو على شرط الشيخَين، بل السِّتَّة، لكنَّ حديثه عن إبراهيم فقط فيه لينٌ، مع أنَّ روايتَه عنه في «البخاريِّ» و«مسلم»، وقال ابن فُضَيل: (كان يدلِّس، فلا يُكتَب إلَّا ما قال: «حدَّثنا إبراهيم»)، و(إبراهيم): هو ابنُ يزيدَ النَّخَعيُّ، تَقَدَّم.
          قوله: (تُرْكَبُ الضَّالَّةُ): (تُرْكَبُ): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، و(الضَّالَّةُ): مَرْفوعٌ نائب مناب الفاعل.
          قوله: (بِقَدْرِ عَلَفِهَا): هو بفتح اللَّام، و(العَلَف)؛ بفتحها: ما تُعلَف به الدَّابَّة، والمصدر بالسُّكون: عَلَف يَعلِف عَلْفًا.
          قوله: (وَتُحْلَبُ): هو مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، وكذا (عَلَفِهَا) بالفتح، كما تَقَدَّم أعلاه.
          فائدةٌ: اختلف العلماء فيمن له منفعة الرَّهن من الرُّكوب واللَّبن وغيرهما، على أقوال(1):
          أحدها(2): أنَّه للرَّاهن، وليس للمرتهن أنْ ينتفع بشيء من ذلك، قاله الشَّعبيُّ وابن سيرين، قال النَّخَعيُّ: كانوا يكرهون ذلك، وهو قول الشَّافعيِّ، فإنَّ للرَّاهن أن يركب الرَّهن ويشربَ لبنه بحقِّ نفقته عليه، ويأوي في اللَّيل إلى المرتهن.
          وثانيها(3): نعم؛ رخَّصت فيه طائفةٌ أن ينتفع المرتهن من الرَّهن بالرُّكوب والحَلَب دون سائر الأشياء على لفظ الحديث: «إنَّ الرَّهن مركوبٌ ومحلوبٌ»، وهو قول أحمد، وإسحاق، والزُّهريِّ.
          وقال أبو ثور: إنْ كان الرَّاهن لا ينفق عليه وتركه في يد المرتهن، فأنفق عليه؛ فله ركوبه واستخدامه على ظاهر الحديث، وعن الأوزاعيِّ واللَّيث مثلُه.
          ولا يجوز عند مالك والكوفيِّين للرَّاهن الانتفاعُ بالرَّهن وركوبه بعَلفه، وغلَّته لربِّه.
          والمسألة معروفةٌ، وإنَّما ذكرت هذا الخلاف؛ لأنِّي سُئِلت عنه، وتستغربه الشَّافعيَّة إذا سمعوه، والله أعلم.


[1] في النسختين: (قولين)، والمثبت من هامش (أ) مصحَّحًا عليه.
[2] في (ب): (أحدهما)، وكذا كانت في (أ) قبل الإصلاح.
[3] في النُّسختين: (وثانيهما)، والمثبت أولى؛ ليوافق الإصلاح في (أ).