مصابيح الجامع الصحيح

باب نكاح المحرم

          ░30▒ (باب نكاح المحرم)
          الكرمانيُّ: أبو حنيفة: يصح نكاح المحرم؛ لقصة ميمونة، وأُجيب: بأنَّ ميمونة نفسها روت أنَّه تزوَّجها وهو حلال، فهي أعرف بالقضية من ابن عبَّاس؛ لتعلقها بها، وبأنَّ المراد من المحرم أنَّه في الحرم، يقال لمن هو في الحرم: محرم وإن كان حلالًا، وأنشد البيت الآتي، ثم قال: أي: في حرم المدينة، وبأنَّ فعله معارض بقوله: «لا ينكح المحرم»، وإذا تعارضا؛ يرجح القول، وبأنَّ ذلك من خصائصه ◙.
          أقول: أخرج فيه حديث ابن عبَّاس: أنَّه ◙ تزوَّج وهو محرمٌ، اعلم أنَّ الدارقطنيَّ رواه عن ابن عبَّاس من طريق أبي الأسود يتيم عروة، ومن طريق مطر الوراق، عن عكرمة، عن ابن عبَّاس: أنَّ رسول الله صلعم تزوَّج ميمونة وهو حلالٌ، فهذه الرواية عنه موافقة لرواية غيره، وقد كان من المشايخ من يتأول قول ابن عبَّاس: تزوَّجها محرمًا؛ أي: في الشهر الحرام، أو في البلد الحرام، وذلك أنَّ ابن عبَّاس رجل عربي فصيح، يتكلم بكلام العرب، ولم يرد الإحرام بالحج، وقد قال الشاعر:
قتلوا ابن عفَّان الخليفة محرمًا                     .........
          وذلك أنَّ قتله كان في أيام التشريق، انتهى
          قال مغلطاي: وفيه نظرٌ من حيث أنَّ كسرى بالإجماع كان كافرًا، ولم يدخل الحرم مرة في الدهر، وقد قالوا فيه:
قتلوا كسرى بليل محرمًا                     ............
          إنَّما المراد منه: قتلوه ظلمًا من غير وجوب دم عليه ولا ما يشبهه، فـ(محرمًا) يريد به: حرامًا، انتهى
          وقول مغلطاي يرد على القول الثاني؛ أي: الأول، وقد قال ابن دريد: أحرم الرجل: إذا دخل في الشهر الحرام وإن لم يكن محرمًا، ثم ذكرالبيت المذكور، وذكر الاستشهاد في قتل كسرى، وهو:
قتلوا كسرى بليل محرمًا                     ..............
          واعلم أنَّه يرجح بأن يكون أحدهما _أي: أحد الراويين_ المباشر للواقعة؛ كرواية أبي رافع في «الترمذي» : نكح ◙ ميمونة وهو حلال، وكان أبو رافع السفير بينهما على رواية ابن عبَّاس المخرجة في الكتب الستة: نكح ميمونة وهو حرامٌ، وبأن يكون صاحب القصة؛ كرواية ميمونة المخرجة في «أبي داود» : (تزوَّجني ◙ ونحن حلالان بسرف)، ولفظ مسلم عن ميمونة: أنَّ رسول الله صلعم تزوَّجها وهو حلالٌ.